التعلق

التعلق اعتقاد الأهمية في المتعلق به كائنا من كان وما كان، وهل الإنسان خلق إلا لأجله وإن أنكره فإنه يتعلق بنكرانه تعلقا يجعله ينكر التعلق، عجيب أليس كذلك؟ أمن طور أفكارنا منذ بداية ظهورنا بل وارتقى بها، وأحيانا حطم إنسانيتها في نظر من عاصرها ومن خلفها غيره؟

تدل الآثار القديمة على مدى تعلقه -الإنسان- مثلا بالموتى والحياة التي يُمنحونها بعد الموت؛ ذلك التعلق خلق لنا الأدب وخلف لنا التراث الذي يملأ القلب حبورا. هذا الإنسان يتعلق بفكرة أو أفكار ينشئ عبرها حضارة؛ أنشأ من حب الجمال الفنون واللوحات والمنحوتات وتطول اللائحة وتختلف من منطقة لأخرى. التعلق بالمال خلق لنا الثروات وصنع لنا الاقتصاد ودبر لنا حياة تترفه بحسب مدى التعلق به.

دعنا نرجع للتعلق بالموتى عند ناس مصر؛ لقد تعلق المصريون القدماء بفكره الفرعون أو الملك الإله تعلقا صار به الفرعون إلها بعد موته، بل حتى بموته ينظم لمجمع الآلهة في السماء. لأجل هذا التعلق بنيت الأهرام التي ما هي إلا أبنية جنائزية تدل على مدى التعلق بقداسة الموتى. وكون الموت باب عبور لحياة عظيمة هذا ما دلت عليه بعض الكتابات عليها، بل حتى الكتابة التي خلدت لنا العديد من الروائع كان منشؤها تعلق الأفراد بتخليد قصصهم وأساطيرهم ومعتقداتهم…إلخ.

جعل التعلق من الملكة حتشبسوت تبني أبنية لأجل رمسيس، وجعل حمورابي يرفع مردوخ كإله رسمي لأهل بابل لاعتقاده بقوته وسيادته على جميع آلهة عصره. التعلق دمر بلدانا وحضارات، بل وسلخ عنا إنسانيتنا أحيانا، التعلق بذواتنا يجعلنا ننظر لأنفسنا على أنها مطلقة الكمال، بالله عليك من ذا الذي يحتقر نفسه عندما تنتصر أو عندما تفوز؟ قد تظهر نوعا من التواضع لكنك تضمر في دواخلك قردا يرقص فرحا، كأنه يقول: يا أنتم لقد انتصرت عليكم لأني الأفضل ولأني أستحق. وتعلقك بالآخر يجعلك كالأخيد لا رأي له، كلامه كلام الآخذ به.

للتعلق بالآخر والنفس حسنة عند العرب -لأني شخص متعلق بأشعار العرب أوردها هنا- نعم حسنة ذلك التعلقِ الشعرُ، أليست أشعار العرب القديمة تضخم العربي تضخيما تتساءل معه في حيرة من هؤلاء الأشاوس؟ -معلقة عمرو بن كلثوم أنموذجا- أما التعلق بالغير لا يصدع قلبك، بل لكأن حسرات العربي القديم المحب مخزنة في كلماته تتمعنها فتنفجر كالديناميت.. التعلق بصوت الرياح وأصوات الطيور نحا بنا نحو الموسيقى/ ما تفعله بك مقطوعة متقنة الموسيقى تصوت أحيانا. العلاقة والتعلق والعلقة لهم نفس الجذر، لك التصور ولا أدري هل تتعلق بتصورك لتصيره تصديقا؟!