بين انفراد ومخالطة

أحب المجلس المؤنس الجميل النابض بروح الحياة، تحييني تلك اللحظات أو بالأحرى الساعات، فلا ألتفت للزمن وأعيشها بكل وجداني وحضوري، ولعلها أكثر اللحظات التي أحضر فيها بكل حواسي. أرزاق جميلة في صورة زمن تطبع في وجداننا، فتصبح ذكريات لطيفة تطل علينا بين الفينة والأخرى وكأنها نسيم عابر، لترسم على وجوهنا ابتسامة حنين.

لن أنكر أنني لطالما استلذذت لحظات الخلوة والجلوس مع نفسي، ولطالما ظننتها أفضل اللحظات ولطالما آمنت يقينا، أنني وبدون أدنى شك، أُفضلها على الرفقة بدرجات؛ ربما لأنني علمت دائما أنها الأصل والمنتهى، فلم تخفني قط. بل كانت دائما مصدر إلهام، فيها أحادث نفسي، أناقشها وأتأملها وأحلل تصرفاتها وكأنها لا تنتمي إلي، كأننا كائنين مختلفين، أخرج من كياني لأتأمل المواقف من بعيد دون انفصال تام عن مشاعري في تلك اللحظة أو ذاك الموقف، لكنني أدركت مع مرور الزمن أن الحياة الجميلة تشمل الاثنين، لحظات تأمل وخلوة ولحظات مشاركة وتعايش.

مقالات مرتبطة

رغم إدراكي هذا، لا زلت في أعماق نفسي أؤمن بشكل ما ولسبب ما أن الأولى هي الأصل. في بادئ الأمر وبعد قراءتي لكتاب “Quiet”، آمنت أن الناس صنفان: انطوائي (introvert) وانفتاحي (extrovert) فصنفت نفسي كانطوائية وظننت لوهلة أنني سأفضل دائما الخلوة على مخالطة الناس، وأنه إن أتيح لي الاختيار بين الاثنتين في لحظة ما سأختار الأولى؛ لأنني أجد نفسي وراحتي فيها، إلى أن اغتربت وأقمت بمفردي في مدينة بعيدة عن مدينتي وموطني. حينها أيقنت أن الإنسان بطبعه في حاجة دائمة وملحة للاتصال بالناس، فكانت جلساتي مع أصدقاء الغربة كمتنفس يبعث في الحياة من جديد كل مرة، ولم أدرك إلا حينها أنني وإن كنت أفضل الانفراد بنفسي للتأمل والتدبر، فإنني بحاجة من وقت لآخر بل بشكل مستمر إلى اللقائات والأحاديث واللحظات التي تبث في رغما عني سعادة لا أجدها في خلوتي.

لأختم خواطري هذه، سأستغل الفرصة لأوجه الكلام لكل انطوائي أكثر من كونه انفتاحي؛ الإنسان بطبيعته كائن ذو شخصية معقدة جدا ولا نستطيع تصنيف الناس إلى انطوائي أو انفتاحي، بل يبقى حكمنا نسبيا ومحدودا ولا يمكن الجزم في ذلك. لكن، غالبا ما تكون صفة غالبة على الأخرى، فإن كنتم في فريق الانطوائيين فلا يجب أن يصبح ذلك مبررا لعدم مواجهة العالم والخروج من منطقة الراحة، ولا عائقا للوصول إلى أهدافكم مهما كانت مخيفة وعظيمة وبعيدة. بل على العكس، فإن طبيعة وذكاء الانطوائي تميزه بقدرته على الإبداع وعلى التحليل العميق لأخد القرار الصائب، تميزه بإتقانه لبناء علاقات جد مميزة مع الجميع لأنه شديد الانتباه والحرص على فهم الآخر والإحساس بمشاعره، كلها صفات تجعل منه قائدا بامتياز، كل ما يحتاجه هو الانفراد بنفسه من وقت لآخر لتجديد طاقته الجميلة.Individually and mixing

1xbet casino siteleri bahis siteleri