أنا الضحية

لقد استهوينا ذلك الدور وأصبحنا نعشق العيش تحت ظلاله، نتقنه أكثر من أي شيء آخر؛ ذلك الدور الذي لا خيار لنا فيه سوى أن نكون على صواب ولا نتقبل الانتقادات، لأنه ما إن نخسر في إحدى الجدالات إلا وترانا نلقي اللوم على الأطراف الأخرى لعدم إلمامها بالموضوع أو قلة معرفتها أو جهلها بآداب الحوار، حتى في النقاشات التي تحدث في العلاقات الزوجية، والتي قد تصل أحيانا إلى الطلاق، ترى أحد الزوجين يشتكي من الآخر ومن صفاته وتعامله، يذكر مساوئه وكأنه لم يرتكب ذنبا يذكر.
دائما ما نحب أن نرى أنفسنا ملائكة لا تخطئ، وننتظر تلك اليد التي ستربت على كتفنا في أية لحظة فتهدئ من روعنا وتواسينا من جهة، ونذكر مختلف الذرائع التي قد جعلتنا على هذه الحال من جهة أخرى، فترانا نلقي اللوم على بلد لم يوفر ظروفا أسمى للعيش الكريم، وعلى مدير لم يرفع نسبة راتبنا بعد تفان وجهد متواصل في العمل، نلقي اللوم على ذاك الكأس الذي سقط فتناثر الزجاج في كل جهة غاضبين مؤكدين أن سيرورة الحياة هي من دون شك ضدنا.
لا بأس في الشعور بالحاجة إلى المواساة وعطف الآخرين وشفقتهم علينا، إلا أن الطامة الكبرى هي أن نستسيغ ذلك الشعور؛ وهو ما سيدخلنا في دوامة غير متناهية من التهرب من المسؤولية التي تنجم عن أفعالنا وقراراتنا، معتبرين أن الأخطاء دائما ما تصدر من العالم الخارجي. كيف لا ونحن نعيش دور الضحية في كل مرحلة من مراحل حياتنا.
منذ أن وطأت أقدامنا الأرض، رأيناها تستقبل اللعنات والضرب، معتبرين الأرض السبب الرئيسي في سقوطنا، وبعدها تماما ترى الدموع التي انهمرت من شدة الألم قد مسحت، متبعين إياها بشهقات وبسمة مرتسمة على ذلك الوجه الذي غيرت ملامحه شدة البكاء، ابتسامة اعتبرنا فيها أنفسنا أننا قد انتصرنا وأن الجانية قد نالت العقاب، لكن، في الحقيقة، نحن الجناة المعتدون على أرض سمحت لنا بالمشي بأقدامنا عليها، وسقوطنا كان نتيجة تحسس أقدامنا الأرض للمرة الأولى وتعلم كيفية المشي، كانت هذه المرحلة أولى إخفاقاتنا في اختبار تحمل المسؤولية، بدأنا نلقي اللوم على كل ما قد يصادفنا من عراقيل وعثرات، فنركن مستسلمين منتظرين كتفا تسندنا وأخرى نبكي عليها.
الحياة هي الأخرى لم تسلم من عتابنا ولعناتنا، ولكم قلنا إنها ظالمة موحشة، ودون الأحباب صعبة مريرة، كيف لا ولم تقدم سوى أطباقا مُرة في كل تجربة من تجاربها المختلفة، وكأنها خلقت لتكون أشد عدو نواجهه، ولن تظفر حتى ترانا نسقط كأوراق الخريف من وهنها، وترى استسلامنا في آخر المطاف. تلك هي الزاوية التي عهدنا النظر من خلالها، لنحظى في المقابل بعيون تلقي علينا برصاصات الشفقة، فتجعلنا نعتقد وكأننا استنزفنا جل طاقاتنا، إلا أنه في الحقيقة لم نقدم ولم نفكر حتى في محاولة تحمل قوة الصدمات وحدة السقوط، لأننا كنا مستعدين للخسارة بتهويلنا للمشاكل التي تستضيفنا، والعيش داخل دائرة من الدراما لا مخرج منها.
ألم يحن وقت الفرار من بوثقة العيش كضحية، ولعب دور على وشك احترافه والفوز بأعظم الجوائز الدرامية؟ ألم يحن لنا أن نتحمل مسؤولية ونتائج أفعالنا وأن نواجه بكل تفان تلك العراقيل، وإن أسقطتنا، ننهض ونعيد الكرة إلى أن نرضى تمام الرضا بما نحن بصدد القيام به؟
حان الوقت لنبحث عن سبب تعثرنا، ولنعلم الأسباب التي تعرقل نجاحاتنا، ومعرفة الأخطاء التي نرتكبها رغبة في تجنبها خلال أشواط أخرى متقدمة؛ التي هي بالفعل فرص إضافية قدمتها الحياة من أجل المحاولة مرة أخرى، لأن لعب دور الضحية ما يلبث حتى ينتشلنا من عالم المسؤولية إلى عالم لم يخل من التقاعس والكسل، فتترسخ في عقولنا أفكار الاستسلام، وأنه لا جدوى من استغلال الفرص السانحة أمامنا.
إن قراءتك لهذا المقال، ما هي إلا فرصة قد توقظك من سبات أو تحفزك على الإقدام على خطوة تغيير واستبدال ذلك الدور الذي لطالما عشت على وتيرته. سندرك مع مرور الوقت يا صديقي، أنه من السذاجة اعتقادنا أن المشاكل التي نواجهها على طول الطريق، لا يمكن مجابهتها أو إيجاد حل لها، بل ليست هذه الأفكار سوى قيود عقلية تمنعنا من المحاولة وتدفعنا مباشرة إلى الاستسلام، سندرك أنه من الحماقة أن نرضخ لها وأنه لا مفر ولا مناص منها إلا إليها، ومواجهة كل الصعوبات نفسية كانت أو جسدية بكل تفاؤل وعزم على تخطيها، ونتذكر أنه لا عيب في أن نكتئب ونتعب بين الفينة والأخرى، إذ لا بد من أخذ قسط من الراحة؛ رغبة في المحاولة من جديد، ولنتذكر جيدا أنه مهما طالت الرحلة سنصل إلى وجهتنا المنشودة بلا شك، من المهم ألا نستسلم!
1xbet casino siteleri bahis siteleri