بين الآلام والإلهام

عزيزي القارئ، لا بد أن هذا العنوان الدقيق قد ذكرك بتلك الليلة الظلماء التي كثرت فيها دموعك لسبب من الأسباب، سواء أكان مادِيا، أو تجريديا، أو معنويا. مرت عليك الساعات فيها وكأنها أعوام، وسقطت الدموع من عينيك وكأنها الحجر، اختنقت بل وربما صرخت… المهم أنك قد كنت في قمة انهيارك النفسي والعقلي. لا تستطيع من مكانك الحراك، ولا يستطيع قلبك أن ينتج ذاك الشعور بالإيجابية الذي اعتاد أن ينتجه، لا جمال القمر استطاع أن ينتشلك من قبح ما يؤلمك، ولا أضواء النجوم تمكنت من أن تنير في ذاكرتك شيئا غير سواد الذكريات.

أفكار مشتتة، غد مجهول، برود يشمل أطرافك، عكس قلبك الذي يتآكل نارا فوق جمر الصدمة، ولا تعلم ما الذي عليك فعله أو حتى كيف تنتشل نفسك من كل هذا. لا تعلم إن كانت هذه هي النهاية، لا تعلم إن كانت الحياة الآن تلدك من جديد أم تقتلك، تفقد الشعور بالألم لوهلة، حتى يشملك ذاك الاعتقاد بأنك فقدت جل أنواع الإحساس. وتتجاوز ذاك الإحساس بفقد الإحساس، وتمر تلك الليالي والأيام ككل الأيام. وتبدل تلك الأيام بأيام أخف وأجمل، وتبدل نفسك بنفس أقوى، وتبدل نظرتك للحياة بنظرة أشمل، كل هذا وأنت متناس تلك الليلة الأليمة، وما حملته إليك من مشاعر وأفكار عقيمة.

عزيزي القارئ، عليك أن تعلم أن تلك الليلة الظلماء الأليمة التي تناسيتها هي السبب فيما أنت عليه اليوم، فهي التي منحتك القوة، والإرادة، وبُعدَ النظر، وشمول الإحساس، والحكمة، والقدرة على اتخاذ القرار، وملكة فهم ما أنت شاعر به. كما أنها هي التي بنتك من جديد، وهي التي جددت فيك الأفكار بشكل معقلن ومنطقي، ذلك أن كل ألم يحدث فيك ثورة، والثورة هنا بمعنى التجدد الروحي. فالسبب الذي أغضبنا الليلة يصبح في أعيننا تافها في الغد، وهذه حكمة، وما كان يقلقنا البارحة قد أضحى اليوم مضحكا، وهذه قوة. وما كان يعيقنا سابقا هو الآن ما يبعث الحماس فينا، وهذه عزيمة وإرادة. وكل ما كان يكتنفه الغموض قد صار واضحا وضوح الشمس، وهذا بعد النظر.

وما هي الكلمة الجامعة المُناسبة لكل هذه الهدايا التي يَمنَحُنا إياها الألم؟ إنها كلمة الإلهام. الألم يلهمنا طريقة العيش الصحيحة. الألم يلهمنا لغة الكون الوجيهة، الألم يلهمنا شفرة الحياة، بل إن الألم يلهمنا كل الحياة. وبالتالي، فبين الآلام والإلهام، جسر من الهدايا، نعبره في كل مرة ننتقل فيها من الألم إلى السعادة دون أن نشعر.

1xbet casino siteleri bahis siteleri