زوبعة فارغة

يغمرك في بعض الأحيان ذلك الإحساس الغريب بالفراغ؛ وكأن صدرك مثقل بالفراغ، لا شيء هناك وكل شيء هناك. تتحسس ما حولك فلا تدري ما يعيدك واقفا، لكنك في الوقت نفسه لست ملقى على الأرض ولست طريح اليأس، فما هو ذلك الإحساس إذن؟ تبحث مطولا في خزانتك تقلب الكتب أحيانا فلا يعجبك شيء منها وقد كانت يوم أمس تجعلك منبسطا فماذا تغير؟ تعود لتبدل ملابسك لعلها قد أثقلت بك وصرت مثقلا بها، تفتح الدولاب وحين لا تملك دولابا تعلق ملابسك على الحائط المغطى بالمسامير، وحين تتأمل المسامير قبل الثياب تفكر جديا أنك تشبه الحائط إلى حد ما. تحمل أوجها كثيرة كما يفعل الحائط الذي يحمل ثيابك ومختلف ملابسك، لكنك تحس بملمس المسمار الذي جرح جلدك وتحس بثقل الوجوه التي تعود لتبدلها كل يوم وفي كل موقف.

شيء غريب جدا أن تفكر في العبث وأنت تود فقط أن تبدل ملابسك، لعل هذا ما يحدث حين تكون مثقلا، حين تتراكم بباطنك الأشياء ببياضها وسوادها، حين تنهي تغيير الثياب لا ينتهي ذلك الإحساس أبدا، لا يتوقف، لا يتغير شيء، فكيف تنهي هذا الفراغ؟ تلقي بنفسك على فراشك، تتأمل السقف وتنصت مليا إلى شهيقك الطويل وزفيرك الذي لا ينتهي، تحاول بكل قوتك أن تجد السر وراء هذا الإحساس لكنك لا تفعل، بل يزداد الأمر سوءا. ما الذي ينقصك بالضبط؟ تتساءل وتحاول إعداد كوب القهوة فتجد البن قد انتهى! تتيقن أن كل ما حولك قد اتفقوا ليبقوك وحيدا.

هل هي الوحدة؟ هل هو الفراغ؟ هل هي التراكمات؟ تقلب هاتفك مجددا، لا أحد يجيبك ولا أحد يتحدث إليك، ولا شيء يعجبك. منشورات كنت ذات أمس تحبها، لكنك اليوم تكرهها وتنفر منها. تغلق هاتفك، لا بل تلقيه وأنت تزفر وتطلق تنهيدة طويلة. تغيرت موازين حياتك، لا يستقر نبضك اليوم، لماذا تتساءل ولا مجيب، في صدرك غصة، في قلبك ثقل غريب وعقلك مشوش كعاصفة مفاجئة. ما الذي يحدث لك بالضبط؟ لا تعلم وتود كثيرا لو تنهي هذا الفراغ بحضن أو عناق قد يغدو مفيدا جدا في هذه اللحظة. لا تشترط شخصا معينا، فقط تود لو تلتصق بأحدهم فتبكي، يحضنك وتعود آمنا.

مقالات مرتبطة

هل هو الإحساس بالخوف؟ لا تعتقد ذلك، فأنت أشجع من أن يخيفك العبث، تخبر نفسك بكل هذا والدمع في عينيك ينتظر فتح الأبواب. ماذا يحدث لك بالضبط؟ لا ينتهي هذا الفراغ الذي يغمرك، لا تجد كلمات مناسبة لتشرح الأمر، هل هو فراغ حقا أم أن باطنك يكاد يفيض من فرط التراكمات. فكيف يقترن الفراغ بالامتلاء. إذن تتيقن أن هذه حالة خاصة تقبل كل شيء لأنك عبارة عن مجموعة من التناقضات التي لا تنتهي. هذا فراغ يكاد يفيض هذا فراغ ممتلئ في نفس الوقت. كيف ذلك تتساءل ثم تصمت وأنت تتأمل فلا تجد للأمر تفسيرا محددا، لكنك تحس بالفراغ الآن ويغمرك ثقل التراكمات أيضا. ولكن، ما التراكمات بالضبط؟ ترجع خطوة نحو الخلف لتبحث عميقا في الأمر.

تضع شريط الماضي بين عينيك وتقلبه، ما التراكمات حقا؟ ربما كلمة كنت تود كثيرا لو تخبر صديقك بها بعد أن أتعبك الحنين، ربما عتاب أردت طويلا لو تعاتبه على غيابه المطول وعلى أخطائه المكررة، ربما الجرح الذي أيقظته كلمات شخص ما ولم تحدث أحدا حياله، ربما شيء كهذا بقي في باطنك يتراكم حتى عاد مظلما. شوق لا تخبر أحدا به وتدفنه في براثن قلبك، انتظارك الطويل على رصيف الحياة، لعلك تلقى بعض فتات الحلم ولا أحد يدري بمعارك باطنك الدموية وقعودك المكرر على كرسي الذكريات، تقلب ما مضى وتشتاق وتعيد دفن الأشياء الماضية في صدرك، لا تلقيها بعيدا، أنت تجمعها ولا تدري خصامك مع رفيق دربك؛ حديثك المسيء، وكلماته الجارحة، لم تنسها ولو تصالحتما، تجمعها ولا تدري، تعاتب نفسك لأنك منحتهم ما لا يستحقون، لا تواصل حياتك بخفة، تجمع كل ذلك ولا تدري الأخطاء التي يقترفها الأقربون فتمسك تبعاتها، لا تخبرهم بما يحدث، تصمت وتترك الأمر يمضي، لكنه لا يمضي، تجمع كل ذلك ولا تدري.

إن الصراخ الذي يغمرك في أحايين كثيرة، تكتمه ولا تفرغه أبدا، والدمع الذي يحط على عتبات عينيك لا تحرره، تجمع كل ذلك ولا تدري، لا شيء يمضي، تحس بالوحدة الآن، أنت الآن لا تدري ما تعيشه بين ليلة وضحاها، عدت شريد الأحاسيس، تائها لا تعلم أي شيء مما يعتريك، لست بخير، لكنك بخير جدا. تعتقد أن زوبعة ما تحيط بك، تحس بها، ولهذا أنت بخير، تظن أن الجميع يشن مؤامرة ظالمة ضدك، تلاحظ ذلك، لهذا أنت بخير، ترى الحياة تولي مدبرة هاربة منك، وأنك لا تملك خيارا آخر غير الحزن.

أنت بخير مادام قلبك ينبض، لا تترك كل شيء يتراكم في باطنك، اصرخ عاليا وخفف عنك ثقلك، لا تدفن أحاسيسك، أخرجها لتعانق السماء، انثرها في الأرجاء، أنت بخير ما دمت تحس بقلبك ينبض، أنت بخير ما دمت تريد ذلك!

1xbet casino siteleri bahis siteleri