بين الوالدين والأبناء

لكل منا حياة خاصة، ولكل منا ماضٍ، ولكل منا والدين أنجباه إلى هذه الحياة، وكل منا يعلم حق المعرفة أنه ليس لديه الحق في الاختيار المسبق لوالديه، ولكل منا قصة مع والديه تختلف عن الآخرين.

إذا تأملنا قليلا ورجعت بنا الذاكرة إلى الوراء، سنجد أنه دائما ما كنا نشتكي في صغرنا بعدم فهم آبائنا لنا، ونردد تلك الجملة الشهيرة: لماذا لا يفهموننا ويأمروننا بفعل شيء لا نريده؟ لكن كلما كبرنا شيئا فشيئا حتى استوعبنا أكثر أن كل تلك الأحاديث في الصغر والأوامر التي لم نكن نطيقها إلا ولمصلحتنا وحبهم لنا، بل أعظم من ذلك، صار حبنا لهم أقوى مما كان عليه من قبل، وأصبحنا نخشى فقدانهم أكثر فأكثر، وكلما ازددنا في العمر سنة كلما اشتد خوفنا عليهم أكثر.

يختلف الآباء بعضهم البعض ربما في طريقة التعبير عن حبهم، لكن متشابهون في حقيقة وجود ذلك الحب؛ ذلك الاختلاف الذي لا يتقبله معظم الأبناء هو ذلك الجانب المظلم الذي لا يمكن أن نراه بمنتهى الوضوح، فليس كل أب يقبل جبين ابنه قبل النوم ليحسسه بالأمان، وليست كل أم تفتل شعر ابنتها وتتبادل معها أطراف الحديث كل يوم لتعبر عن حبها لها، العيب ليس في الاختلاف، العيب إن أنت لم تتقبل الاختلاف، لأنه جوهر الشيء وهو ما يجعله مميزا بعض الأحيان.

مهما اختلف عنك والداك، أو مهما كان مستواهم الدراسي أقل منك،  شاركهم أفكارك، ومشاريعك المستقبلية، وطموحاتك، وبسطها لهم إلى أبعد الحدود حتى يتمكنوا من استيعابها. ثق بي يا عزيزي القارئ، ستجد في ذلك الحديث ما أنت مفتقد له، إلى تلك الحلقة التي ستكمل سلسلة الأفكار التي تحتاجها، لا تستهن بهم، قد تجد في كلماتهم، دعائهم وتشجيعهم فتيلا لاشتعالك وانطلاقك من جديد، لا تنس أن تحدثهم قليلا عن يومك الروتيني الذي لا يطاق، حتى تلك التفاصيل التي تبدو لك تافهة ولا تستحق الحديث عنها، أنشئ تلك العلاقة الودية حتى لو بدا لك في أول الأمر شيئا أشبه بالمستحيل.

بطبيعتنا نحن الأبناء، أننا كنا دائما ننتظر منهم الأفضل حتى لو أخطأنا، وننسى أن نقدم لهم نحن الأفضل، مع أننا نعي جيدا أنهم من يستحقون منا كل شيء بدون استثناء، ففي طبيعة أي علاقة أخذ وعطاء، حتى العلاقة بين الوالدين والأبناء، قد يكون العطاء متأخرا قليلا، لأننا في صغرنا لا نعلم هذه القاعدة جيدا ولا نستوعب مدى أهميتها في أي علاقة، لكن، لا بد من العطاء وأن نتداركه على الأقل في كبرنا ونقدم لهم ما قدموه لنا من قبل، ونسعى جاهدين لفهمهم أو حتى لبناء جسر صغير على الأقل لتمكن من التواصل معهم.

فاض الحديث عن الوالدين وعن حقوقهم علينا، فماذا عن الأبناء دائما ما ترددت على مسامعنا “عقوق الوالدين” “حقوق الوالدين على الأبناء” فماذا عن عقوق الأبناء؟ ماذا عن الأب إن كان غير مؤهل لاسم “راع”؟ ماذا عن أم إن كانت تفرق بين أبنائها، ماذا لو كنا نعمل كل تلك الجهود لفهمهم وخلق ذلك الجسر التواصلي وهم لا يكترثون، “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” قولة سمعناها كثيرا لكن معناها عميق للغاية، يجب أن يدركه كل أب أو أم.

إن أساس كل علاقة في هذا الكون مهما كانت طبيعتها، مبدأ الأخذ والعطاء، إن لم يتوفر هذان الشرطان نسقط في الهاوية، على الأبناء طاعة الوالدين والإحسان إليهم، وعلى الوالدين أيضا إظهار حبهم لهم لإنشاء علاقة سليمة بين الطرفين توفر الشرطين. فأحسنوا العطاء ولا تنسوا ما أخذتم، فلكم دين عند كل من مر في حياتكم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri