في طلب التغيُّر..

إن كل التجارب التي يخوضها المرء في حياته، إذا نظرنا إلى كنهها، أمكن تلخيصها في وجهات نظر إضافية لعوالمه. نوافذ يتمكن من خلالها من تشكيل رؤىً جديدة لما ألف النظر إليه من زاوية معينة. هذه الرؤى تنبني عليها الأحكام التي يصدرها بشكل عام والحركات أو ردود الفعل التي يقوم بها بشكل أعم، ومن ذلك اختياراته. وهذا شبيه بالقاعدة الفقهية المعلومة “الحكم فرع عن التصور”.

ثم إن التغيّر، المتمثل في الرقي “المعرفي” في نظري، هو الغاية المثلى التي إليها يكون التشوف والمسير. ويمكن تجسيد هذا الرقي هو الآخر في تفاعل الذات مع مختلف التجارب التي سلف وصفها، وانعكاسها على تركيبة مرايا تبرز للناظر معالم من عوالمه لم يكن يبصرها. إسقاطٌ للذات على التجربة، فإن لم تُجرد الأولى من هويتها أضحت الثانية فريدة.

لكن هذه التجارب أصبحت كغيرها محل تنميط أفقدها كنهها وفاعليتها، فلا يتأتى منها أحيانا، بعد خوضها، التغيّر المنشود. وبات من الضروري تصحيح النظر إليها من كيانات فاعلة إلى محفزات للذات الفاعلة، ليس إلا. وذلك كون الذات هي محل الرقي وكون التجاربِ سبلَه. والتمثيل لهذه الظاهرة أشبه ما يكون بسرد تطلعات شاب عشرينيّ في مجتمعاتنا.

مقالات مرتبطة

فإذا انطلقنا من العمل الخيري الذي يكتسي بعداً إنسانياً، وفضلاً عن فضائله للمستهدفين، فقد بات معلوماً للعاميّ أثره على المتطوع. وإذا انتقلنا إلى السفر والتخييم على طريقة الأمريكي McCandless فقد أضحياً هما الآخران وجهة كل تواق للتغيّر. ولعل أبرز وأعرق ما يضيف للنظر إبصاراً قراءة الكتب، فبها نصحت على مر الأزمان النخبة الراقية طالب الرقي (ولعل في ذلك حكمةً من حيث اقتصاد المال والأعمار في استكمال الإبصار، إذ تقرأ في فنون شتى وتأخذ من منابع جمة في تجرد من عبء الزمان والمكان ما لا يسع فعله مع غير ذلك من مآخذ الرقي، وإذا أخذنا بعين الاعتبار تطور سرعة الأخذ من الكتاب بالممارسة تفوق بذلك على ما قد يُعد قرينه كالأفلام والوثائقيات، وعلى أي فالمآخذ يكمل بعضها يعضاً). وقد نعد من الأمثلة الفصولَ الدراسية المُفضِية إلى التخرج (جل فصول التعليم العالي) وكذا حلم الهجرة إلى بلد أجنبي (في إطار الدراسة أو العمل أو دون ذلك) ونعد منه أيضا مشاريع الزواج.. وغير ذلك كثير ومعلوم.

لعل هذه التجارب، على اختلافها في موازين عدة، تجمع بينها رغبة المرء في التغيّر، وقد تبوء كلها بالفشل إزاء هذا الغرض. خاصة إذا لم يستيقن طالب التغيّر محورية ذاته في تلكم السيرورة، سيرورة الرقيّ. وهو الذي عاش تجربة مماثلة أو شهدها وكان حظ آتيها أن تغيّر وارتقى. والخلط كل الخلط أن يربط الرقي بعين التجربة. فلو وجدت علاقة سببية بينهما، من حيث هي محفز للذات الفاعلة مثلا، لكان من جسيم الخطأ حصر السببية فيها.

ولعل حظ قاصر النظر الاستكثار منها تجاربَ والانتقال بينها بحثا عن مأمول لا يتأتى ما لام يؤت من حيث المأتى.

1xbet casino siteleri bahis siteleri