المحكمة

إن الأمر مخيف جدا وقاس ويبدو من بعيد بسيطا، لكنني وبكل ما أحمل من ثبات وتحمل، أحزنني وطرح بعقلي ألف سؤال! كانت الصغيرة تصرخ في ساحة المحكمة:
-بابا بابا وصدى الصوت يعيد كلماتها، ركضت بين المارة وعانقته بشدة مرددة لم نلتقِ منذ شهور اشتقت لك كثيرا.
في تلك اللحظة فعلت شيئا واحدا التقطت هاتفي من حقيبتي وبحثت عن رقم أبي وأرسلت له رسالة صوتية، كنت خائفة وأردت أن أطمئن وأننا سنلتقي في نهاية هذا اليوم الطويل.

تتعدد دعاوى الحضانة والنسب وصلة الرحم والنفقة، دعاوى ليصدر لي الحق في رؤيتك وحبك، في أن أكون بجانبك وأن أمارس حقي في أني لك أو حقي في أنك يجب أن تكون لي، حقي في أن تنفق علي، حقي في أن يكون اسمي على اسمك أو حقي بالرؤية، و هو ما ينتج أسرا مشوهة، وأطفالا غير مكتملي التربية السليمة الصحية، محرومون من آباهم أحيانا ومن أمهاتهم أحيانا أخرى، مفارقة عجيبة وغريبة ومخيفة!

لن أخبركم بعدد المرات -كوني لا أعدها- التي تخيلت نفسي واقفة أنا والرجل الذي أحب من أجل الطلاق، وخفت أن أصير أما يوما ما وأرى طفلي بحكم محكمة، أو أنني لا أستطيع تقبيل أبي ومعانقته إلا بزيارة محدد وقتها، المحاكم عالم كبير جدا يكفي أن تتكئ على أحد جدرانها لتسمع الدموع، والتنهيدات والدعوات.

التقيت بالعديد من النسوة أمام قاعات المحكمة؛ حوامل ومرضعات منطفئات مشتتات، يرون الحياة قد انتهت وسيمنعهم المجتمع من كل شيء، حتى الأوكسجين إن لزم الأمر، لمجرد أنهن مطلقات، ورأيت من تحمل رضيعا أو تجر طفلا وتريد تسجيله بكناش الحالة المدنية بعد هروب الأب وتركها تتجرع مرارة الخيبة والفقر والضياع. المغيظ فعلا دعواك لإسقاط الحضانة بعد زواج طليقتك من آخر للانتقام منها ومنعها من بدء حياة جديدة، في حين أنك تزوجت ومنحت نفسك فرصة جديدة تحرم منها غيرك، المهم أن تستعمل هذا الحق الذي خوله لك القانون للتلاعب بها قليلا، في حين أنه لا يهمك أبناؤك ولم تسأل عنهم يوما!

مقالات مرتبطة

وحدكم تحكمون على أنفسكم بزيارة هذا المكان وبتخوليه حق إيجاد حل لكم لتخليصكم من العذاب، والتشتت والضياع. ما يحضركم للمحكمة هو اختياراتكم السيئة وقرارتكم المتسرعة والكلام المعسول الذي يختفي أثره عند أول شمس تطلع عليه. لسنا في حرب حتى يتربص كل واحد منكم الآخر في قاعة الجلسة، كل واحد يحضر شهودا ورسائلا وأدلة، يبكي وينوح ويحمل الآخر المسؤولية.

ورطتنا الكبرى أننا لم نضع النقاط على الحروف لنبني والشريك قصورا من الوهم نخفي وراءها عيوبنا وزلاتنا ومخاوفنا، ضاربين عرض الحائط قدسية العلاقة الزوجية وقيمة أن نكون أبا أو أما مسؤولين عن جيل، عن حمايته وتوعيته وتلقينه وضمان حياة كريمة له، خالية من العقد النفسية ومن حضور جلسات صلح أو بحث أو وضعه في حيرة بين مع من تريد العيش: بابا أو ماما؟ تنفصلان وتتجاوزا هذا الأمر ويتخذ كل واحد منكما سبيلا جديدا دون مراعاة شخص عالق بينكما انفصلت روحه وكيانه وانقلبت حياته!

مع قهوة الصباح نشرب الكثير من الأسى والبؤس، هي حكايات صعبة علينا، لكن الفرق أن كل واحد منكم يحمل قصته ومأساته فقط، في حين نحمل مأساة الجميع وفي اليوم الواحد قد نحضر جنازة وزواج قاصر واغتصابا واختطافا، قد نفرح معكم لحكم صدر لصالحكم وقد نلعن العالم لحكم ضدكم.
يمر اليوم وأنت تواسي ما استطعت وتدعو بالخير وتزرع أملا وتطبطب على كتف وتؤكد بأن الغد أجمل وأن الحق لا يضيع مهما طال الزمن.

يريد الجميع أن يطمأن، أن يهدأ وأن يخرج بأقصى سرعة من هنا في حين صار هذا المكان بيتك وقدرك، ما هذا القدر؟ أن تكون محاميا يعني أن تكون خليطا متناقضا من القوة والصبر والتحمل والتفاؤل أمام الجميع وخليطا من الضعف والرهبة والحزن أمام نفسك فقط.

1xbet casino siteleri bahis siteleri