لكي يستمر وجودنا في هذه الحياة ونبقى في وضعية التوازن مستمرين في بحثنا عن غاية غائبة سميت “بالكمال”، يجب أن نتميز بالقدرة على التأقلم والرغبة في المقاومة والإنتاج الصحيح لإيديولوجيات إيجابية.
وراء هذا الستار المثالي كواليس متعبة وشاقة: هذه الحياة القوية، هذه الطاقات الجميلة والمفعمة بالحياة، هذه الأفكار المرتبة والمضبوطة، هذه الشخصية القوية المقاتلة في وجه كل المواقف والصدمات!
وراء هذه الابتسامة العريضة التي تعبر عن السعادة والسلام الداخلي، خلف كل هذا الظاهر يوجد باطن لا تعلمه إلا أنت ومعبودك، لا نعرف ماهيته إلا عندما نرى أنفسنا أمام مرآتنا بعد يوم متعب ومرهق، عندما نضع رأسنا على وسادتنا نبحث جاهدين عن نوم عميق نحارب فيه الأرق والقلق النفسي، عندما نحاول أن نتجابه مع الآثار القاسية التي يسببها الأشخاص في النفوس، عندما نعمل على التصالح مع ذواتنا إثر تعرضنا للتنمر، عندما نشجع أنفسنا على الصبر على كل من يتطفل على مسافة حريتنا وحياتنا الخاصة. عندما نحاول أن نكون الأنا الأعلى والقدوة والمثال الحقيقي، عندما نعيش تجربة لوحدنا بآلامها وحزنها وفرحها وألوانها الربيعية والخريفية.
هنا، في هذه اللحظة نجدنا مع أنفسنا، في حالة من التوهان القاسي، لا نعرف من معنا ومن يقف في وجهنا، لا نعلم حقيقتنا داخل عالم العلاقات ولا يتبين لنا الصالح من الطالح. هذا التوهان الذي نقابله أحيانا، يعيدنا إلى خلفياتنا فننظر إليها ونحن قريبون منها، يجعلنا نعيد قراءة القصة والتمعن في الحبكة والشخوص وتحليل ما بين السطور، يحسسنا بالضغط الذي يسببه الحاضر وحباله والخوف من المستقبل المبهم والبعيد. يجعلنا نعيد النظر في علاقتنا مع معبودنا، لتغيير العادات السيئة وإصلاح ما فسد، والإسراع في اغتنام الفرص لعودة محمودة ستحررنا من عذاب نفسي مؤلم ومن قساوة الجلاد (الضمير) الذي لا ينام أبدا، نجده واقفا كشرطي المرور يراقب كل فعل وحركة، يحاول تصحيحها بالعتاب ثم العتاب.
تتملكننا حينها العزلة ونحب الابتعاد عن كل مؤثر خارجي سيزيد من تشويشنا وسيرهقنا، يأخدنا بين يديه كرضيع لا يعلم شيئا عن عالمه الخارجي سوى حمالتا أمه، يرتبط بهما ارتباطا وثيقا يتملكه حينها إحساس الحاجة والرغبة القوية؛ يحملنا بين يديه ليحسننا بأن الكمال غاية في حد ذاته، وأن هذا الصراع وهذه الحرب القائمة بيننا وبين التوهان أمر حتمي ووجودي لا بد منه، هو الطريق الملكي والمصيري للبحث عن الكمال.
