موضة الڤينتاج، أو إحياء تراث الماضي بتقنيات الحاضر

675

أثناء تجولك افتراضيا بمختلف الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد وأن تلاحظ الانتشار الكبير لما بات يعرف بثقافة الڤينتاج، وهو توجه جديد في مجال صناعة المحتوى يحاول أصحابه إعادة الصلة بالماضي وكل ما يتعلق به من موضة وتصوير وألوان وموسيقى وحتى أسلوب العيش، في نوع آخر من صناعة المحتوى بشكل يؤكد أن القرن الماضي وأسلوبه لا زال يستهوي العديد بعقوده الساحرة خاصة ثمانيناته وتسعيناته.

يبدو أن الاستلهام من الماضي وأفكاره ليس نتاجا للحنين إليه فقط، بل إن الماضي بأفلامه وموسيقاه وموضته، يعتبر كنزا ومرجعا ذا قيمة كبيرة، كما نقول في المثل الدارج المغربي “الجديد ليه جدة والبالي لا تفرط فيه”، المثل الدي يجسده هواة الڤينتاج حرفيا، كل حسب مجاله وأدواته وأسلوبه، ويسافرون بمتابعيهم في ثوان عبر الزمن.

عند ولوجك لصفحات كل من كريم الشاطر، هاجر لبهيوي ثم نبيل العمراوي، تكون على موعد مع محتوى مغربي أصيل يحيلك على أزمنة جميلة مضت. كريم الشاطر، الذي اختار لنفسه لقبا متناغما مع محتواه “ستيل بلدي”، توحي لك صفحته على إنستغرام بأنك مسافر إلى القرن الماضي من ستيناته إلى تسعيناته، فهو إلى جانب اختياره لمظهر سبعيني بشعر غزير، يبدو أنه يتعلق بشكل كبير بموضة تلك الأيام من أقمصة قطنية وسراويل واسعة وألوان مزكرشة وملابس تحمل الطراز المغربي الأصيل، ويعمل على إعادة إحياء تلك الموضة بملابسها التقليدية بروح شبابية عصرية، من خلال صناعة محتوى يتضمن فيديوهات قصيرة وصورا فوتوغرافية لتعريف الجيل الجديد بالموضة القديمة، يقوم كريم بتصويرها بأماكن متفرقة ومختارة بعناية، تظهر عليها آثار البساطة بمدينة الدار البيضاء، وهي نفس الأماكن التي احتضنت طفولة كل بيضاوي، على سبيل المثال حي “سيدي مومن” أو المدينة القديمة، مما يظهر ارتباطه بالمكان كذلك واعتماده عليه بشكل كبير في صناعته لمحتواه.

في نفس جو التصوير والموضة القديمة، لكن مع إضافة الغناء هده المرة، جعلت هاجر البهيوي من صفحتها على الانستغرام ذاكرة حية، وإحياء للفن المغربي التقليدي، لا سيما فن “العيطة” والموسيقى المغربية. تحرص هاجر في محتواها تارة على التقاط صور فوتوغرافية ذاتية بتأثيرات قديمة، تحاكي صور أشهر فنانات العيطة وعلى رأسهن الشيخة “خربوشة”، وتارة أخرى باللباس المغربي والجلباب التقليدي فضلا عن محاكاتها لموضة الخمسينات بشكليها الغربي والشرقي، وذلك إلى جانب تصويرها فيديوهات قصيرة وهي تؤدي أغانٍ لطالما تغنت بها أجيال، من قبيل “ياك الجرح برى” لمحمد الحياني، ولالة فاطمة لحميد الزاهير بالأبيض والأسود، وأغنية العيطة “حاجتي فگريني” لخربوشة، ولإضفاء تأثير زمني وتراثي واقعيين ترتدي هاجر في فيديوهاتها القصيرة، الحائزة على مشاهدات وإعجابات بالآلاف على الانستغرام، اللباس المغربي الأصيل من قفاطين وإكسسوارات تقليدية.

لن نبتعد عن الغناء وسنضيف إليه التأليف والمونتاج والتلحين والتوزيع الموسيقى، كلها أشياء يقوم بها شخص واحد هو الموهوب نبيل عمراوي، الذي حققت أغانيه انتشارا رهيبا في الفترة الأخيرة بيوتوب وفايسبوك بسبب تفردها ونمطها الجديد، نبيل عمراوي اختار لنفسه اسم شهرة فريد مثل محتواه، فهو معروف بالويب باسم “الشاب”، ويقوم الكثير من المعلقين على فيديوهاته بتشبيه مظهره الخارجي بالراحل محمد رويشة. يستوحي “الشاب” أعماله الموسيقية انطلاقا من توليفة تراثية مغربية أمازيغية وشعبية، بين ناس الغيوان وأحواش ومحمد رويشة. ليس هذا فقط، يختار نبيل كلمات أغانيه بدقة شديدة من المعجم المغربي الدارج ويستعمل مصطلحات ملفتة للنظر ومواضيع ثورية تنتقد الواقع المعاش لا سيما في أشهر أغانيه “كوتوكوتو” أو “سكوندال” أو ” فين أسماعين؟”، مشكلا بذلك في أغانيه معجما خاصا به.

يستخدم نبيل العمراوي في أغانيه، توزيعات بآلات وألحان من وحي الموسيقى التراثية القديمة ويقوم بإدخال ألوان موسيقية عتيقة، كمثال على ذلك موسيقى أحواش في أغنية “اللوحة”، ولبث الحياة في أغانيه، يقوم بمونتاج للفيديوهات القديمة التي يعمل على تجميعها من “قيسارية اليوتوب” -كما يقول في وصف فيديوهاته- بطريقة تسعينية، ويدمجها مع أغانيه ليضفي نوعا من السيريالية عليها، ويتجلى ذلك كمثال في دمج الرقص الشرقي بالرقص المغربي والموسيقى المغربية بالموسيقى الشرقية في أغنية “أجمل بلد في العالم”، وعلى مستوى الكلمات خصص أغنية “صفر وغوز” لسرد ذكريات طفولة شباب اليوم في التسعينات، واسترجع فيها مظاهر العيش السائدة آنذاك.

بالرغم من مظاهر التفاهة السائدة بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي في أيامنا، فإن هؤلاء الشباب استطاعوا بمحتواهم كسب متابعات وإعجابات بالآلاف مما يؤكد أن هناك عملا كبيرا يقومون بيه من أجل تحسين المحتوى الهادف.

1xbet casino siteleri bahis siteleri