القطرة المعجزة!

تخيل أنك تملك في جسمك معملا صغيرا، ينتج مادة نبيلة لا يستطيع صنعها سوى جسد إنسان… في المقابل، هناك بعض الأشخاص أصاب معملهم عطبا فتعذر عليهم إنتاجها، وأصبح الأمر مسألة حياة أو موت، وبين يديك قرار إنقاذ حياتهم أو تركهم لقدرهم المحتوم “الموت”.

كل يوم وعلى مدار 24 ساعة، يتوافد العديد من الناس على مركز تحاقن الدم لأخذ ما يحتاجون من الدماء لإنقاذ المقربين منهم، وعلى وجوههم رسمت تفاصيل من الخيبة لعدم حصولهم على قطرات دم ينقذوا بها ذويهم، ينتظرون بالساعات بل بالأيام أحيانا، لعل أحد المتبرعين القلة يجودون عليهم بورقة تمكنهم من الاستفادة من تلك الدماء.

بين مصالح المستشفيات وأجنحتها، العديد من المرضى طريحي الفراش؛ الصغار منهم والكبار، في حاجة ماسة لدماء تعوض ما فقد منهم. بل وأكثر من ذلك، هناك مرضى يموتون في غرفة العمليات لوجود نقص في هذه المادة التي لم يستطع العلم إلى الآن تصنيعها. كطبيبة خارجية، قضت فترة من فترات تدريبها في مصلحة الأطفال لأمراض الدم والأنكولوجيا، عايشت معاناة الوالدين المستمرة في بحثهم الدائم والدؤوب عمن يوثر بنفسه ويساعد أطفالهم ولو بالقليل من دمهم.

مقالات مرتبطة

نظرات ألم وحسرة، وصبر الصغار لآلامهم التي لا تحتمل جعلتني أخجل من كل تلك المشاكل التي اعتبرتها يوما الأهم. أتذكر جيدا كلمات أحد الأطفال بالمصلحة: “متعب يا طبيبة من كل هذا الألم ومن البقاء في المستشفى، أيمكنك مساعدتي في البحث عن متبرعين لي لأغادر هذا المكان؟” أمسك بيديه الصغيرتين وألمح أمه بعينيها الدامعتين، المتعبتين والفاقدتين الأمل.

أمضي اليوم كاملا وأنا أفكر، كيف لقطرة دم أن تكون أمل طفل للعيش؟ وكيف لإنسان على قيد الأمل، ألا يشارك منتج مصنعه مع الآخرين؟ أيتطلب الأمر أن يكون المريض منا ومن مقربينا كي نسارع ونكون من المتبرعين؟ أسئلة كبيرة ومتعبة عبثت بكياني وبعثرت أفكاري للحظات! قصص كثيرة وأكثر تروى في ردهات المستشفيات، تختلف الظروف والمسببات وتتشارك في خوف الجميع من سقوطهم في دوامة البحث غير المجدي عن الدم.

أشهد في كثير من الأحيان، أفرادا يتهافتون على أكياس الدم وآخرون استسلموا لدموعهم… أنأى بنفسي عنهم، أحزن لحزنهم وأبكي لبكائهم وأتحسر لعدم قدرتي على مساعدتهم. أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي أردت أن أحظى بشرف التبرع، إلا أنني رفضت لعدم استيفاء جميع الشروط بي، بكيت بحرقة لحرماني من هذا التتويج العظيم… وحسدت كل من استطاع مشاركة دمه مع الآخرين!

أتخيل دائما تلك الروح التي يفصلها عن الموت كيس دم، ويكون ذلك الكيس مني فأكون بفعل بسيط أنقذتها من موتها المحتوم! قد تبدو بعض الأفعال بسيطة، لكن وقعها وفضلها على الآخرين كبير… بداية، سيبدو لك الأمر في خطوطه العريضة صغيرا، لكن في تفاصيله قادر على تحقيق معجزة عودة أحدهم من الموت. فكن ذاك الذي يعطي مما وهبه الله كلما أتيحت له الفرصة، لعل بساطة أفعاله تكون السبب في إنقاذ حياة دون أن تعرف!

1xbet casino siteleri bahis siteleri