إنعاش الحياة

وبين جدران غرفة بطلاء أبيض وأسرة رمادية، تزاح أرواح الكثيرين، أطفال في عمر الزهور ونساء حوامل كن ينتظرن الفرح بمولودهن، شياب وشباب يصارع من أجل الحياة على شكل أجساد ملقاة على تلك الأسِرّة، تربطهم بالحياة مجموعة أخيط ملتوية بعضها ببعض وآلات تنفس ومراقبة. أمهات وآباء، أحباب وأصدقاء ينتظرون في الخارج نبأ يبعث فيهم الأمل، ويرجون خبرا سارا يطرد فكرة الموت من أذهانهم.

ترى أيضا شيخا كبيرا جاءه العوز والعجز هكذا انتهى به الحال، قوة تزول وعلم كذلك ومنصب وجمال، كلها “كانت” كذلك، لم تعد موجودة، حتى بعض الأشلاء منها لم تعد. لم يظهر عجزه على وجهه الشاحب ووجنتيه وخدوده المنكمشة، ولا حتى على المرض الذي أنهككه وكاد أن ينال منه هذه المرة فقط، بل أيضا على معاني كلمات تخرج بحزن من شفتيه التي تشبه صحراء قاحلة لا رعي فيها ولا قافلة، يستنجد بها ويتأوه من ألم شديد يقسم أضلعه ويسلك طريقا بين عروقه. وكأن الألوان هنا هي الأخرى تنطق بنفس الصوت وتشير لنفس الشيء؛ أنه ربما لا عودة بعد الآن. ربما يصارعون الموت لكن لا أحد متأكد هنا ويعلم هل هناك مجال للعودة، غير رب العباد.

لا يمكن أن تمر عليك دقيقة هناك دون تأمل معاني الحياة الكثيرة، وأن تفهم كم هو سهل وقريب جدا منا تغير أحوالنا فكل منا يسير لقدره، وكل ميسر لرزقه بمشيئة الله تعالى. يرجع بك التفكير إلى ما قبل الحادثة -التي آلت إلى كل هذا- لحظة كان يغفل عنها الكل، ولم تكن في مخيلة أحد، ربما تتصور هدوء الأحوال وسلامتها، هدوءا قبل عاصفة لم تكن قط في الحسبان، مخططات وأحلام، أهداف بنيت وابتسمات رسمت، علاقات كسرت ووعود قطعت، والكثير منها أُجّل إلى أجل مسمى أو ليس بذلك. كلها كانت قبل ما حدث، ولم يكتب لها أن تكمل.

مقالات مرتبطة

نحن نعي تماما هذا؛ أن كل شيء قابل للزوال فلا شيء يدوم ولكن نغفل عنه بين الفينة والأخرى ونستبعد وقوع أي شيء يمكنه الإخلال بتوازن حياتنا، أو المساس بسكينتنا فننكر فكرة تطبيق ما نعيه على ذواتنا أو أقربائنا ومن نحب، وكأنه سنبقى دائما على أحوالنا هذه! ربما هي طبيعتنا البشرية نحب ونطمع في البقاء دائما؛ قد نخاف من فقدان ما نملك وما نحب ويصعب علينا تقبله، أو يمكن اعتبارها قلة إيمان أو هي نتاج لنسيج داخلي يكون ذواتنا أو يمكن أن تجتمع هذه المعاني كلها مع أشياء أخرى..فنسير مع هذه الغفلة منشغلين في دروب الحياة الملهية، ناسين ونتناسى أمورا عدة شأنها تثبيتنا على الدرب الصحيح حتى تصعد الروح لبارئها.

نقول إننا سنفعل هذا وذاك، ونلتقي فلانا أو فلانة وسنحضر لهذا والعديد العديد من المخططات غير المنتهية، ونقول إن شاء الله، من يدري أنه سيكتب لنا ذلك حقا ونقوم بها كلها أو فقط البعض منها أو لا شيئا منها، ومن يدري إن كان العمر طويلا كفاية لاكتمالها وبلوغها؟ هنا يظهر أن الأهم من كل هذا هو عيش اللحظة كأنها آخر فرصة لنا في هذه الحياة؛ بخلاصنا من التأجيلات الكثيرة والمحبطة، بحبنا لمن حولنا وتصالحنا مع ذواتنا ومع الآخرين، بالعمل من أجل آخرتنا وأن نعي حقا أننا هنا في هذه الدنيا كقاطعي السبيل لن نبقى فيه دائما ولن نحقق مرادنا إن لم نسلكه كما يجب.

1xbet casino siteleri bahis siteleri