آخر ظهور

كان ذاك المساء ذا شتاء بارد، شوارع الحي اكتظت بأوراق الأشجار اليابسة، أقف وراء الشباك أتأمل قطة جارتي العجوز تجوب الطرق لتحظى بملجأ يدفئ أرواحها السبعة، أتأمل ذاك الطفل صاحب العينين الرماديتين يعبث بشعره تحت زخات المطر وكأنه يلامس القمر بأصابعه، تأملت العابرين على الرصيف كل يهرول مسرعا ليحتمي من الغيث. تأملتك وأنت تقف عاجزا عن السير، عاجزا عن مد ذراعيك فتضمني إليك مرة أخرى، هنا خانتي تلك القطعة البشوشة يسار صدري حتى عيناي خذلتاني، عيناك البنيتين كسرا حاجزا شددته بحبل الأوجاع و الأحزان، صوتك يشبه الغيمة المطيرة التي حلت بعد سنين من القحط، ورائحتك تشبه رائحة التراب المبلول، هنا يا وجعي سقطت دموع اليأس من قلبي، دموع تراكمت منذ سنين تنتظر عودتك، أما أنت، أنت فقط تقف هناك وتنظر إلي كرضيع يبصر أمه للمرة الأولى، كمن يهوي الكعبة و ينحرم من تقبيلها.

أقف وأتأمل الخيبة على وجه شبه رجل ربما أحببته يوما، أحدق بك يا عزيزي ولا أرى سوى ذاك الصباح المشؤوم الذي غادرتك فيه، غادرت وبيدي زهرة الياسمين لتزهر حياتي بعد أن ذبلت بوجودك، غادرت وتركت بقية الزهور لك لعلها تفوح بعطرها على صدرك وتجعل منك غصنا لا يميل، لوهلة أحسست بعيني تبكي بلا دموع، وقلبي يصرخ ولا صوتي يخرج، انهار وقدماي لا زالت تقاوم، حتى السماء حينها كانت حزينة لرؤيتنا نتقابل من جديد.

لقد كانت ذات الشتاء حين أحببتك، حين ضممت يدي بين صدرك خوفا علي من البرد، ذاك الشتاء يا وجعي عاد بك لتمسك بها بعد تركها بلا عون، عدت بعد أن تخليت أنا عن الحب ودروبه، بعد أن كرهت كل فاقد ومفقود، عدت بعد خذلانك لروح نامت على أمل شفائك فأصبحت على موتك، أدرت ظهرك ومشيت بخطوات ثابتة وتركت خلفك قلبا مهجورا لا تسكنه سوى طفلة تقاوم الظلام، طفلة تمارس طقوس العزاء كل ليلة لتنتهي من عذاب كنت أنت مسببه، أعدك يا أنت سيأتي يوما تخوض حربا لأجلها، حربا بلا جيش ولا جنود ولا قائد سواك أنت وسجادة، تركع وتسجد لله وتذرف أدمعك ببطء عسى أن يعيدها إلى دربك.

مقالات مرتبطة

هل أخبرك بسر؟ هذا الليل حزين جدا، حتى نبضات قلبي تعلو، لربما تعزف على وتر الأماني لتنبض لك من جديد. أصبت بقشعريرة تهز جسدي، إلهي أكنت أنت أم كان طيفك يحوم حولي. أتذكرت ذلك اليوم؟ حين أخبرتك أنني أحبك كان الجو ممطرا كما اليوم، والأرض تكسوها الثلوج، عندها اقتربنا لبعض، تشابكت أيدينا بقوة وصحت أنت تقول: كيف لعنيدة مثلك تقع في حب رجل غريب بهذه السهولة؟

مرت سنتين ولا أرى رجالا غيرك، كنت أحميك بأنوثتي من النساء الأخريات، تشتعل نار غيرتي كلما مرت بجانبك أنثى، كنت كمن يملك كنزا ثمينا، لم أعد أعشق الثلج ولم أعد مولعة بالمشي تحت المطر، نسيت الكل بغيابك إلا أنت فلما عدت الآن تقف أمامي وصوت الرعد يلوث مزاجي لطالما أخبرتك أنني أخافه كثيرا، لقد كان أسوء منظر هذا المساء، أو ربما في حياتي كلها، أصبح قلبي كالشمس الحزينة خلق للتأمل فقط.

تجاوزت الشرفة لأتقرب منك، مشيت نحوك وغصن الكبرياء يتآكل بداخلي يمنعني من أن أتمادى في خطواتي إليك، لتعلم إني أشتاق إليك كالأطفال غارقة في بئر الغباء، لقد صعقتني بأفعالك الشنيعة، نلت مني ما يشبع رغباتك الحيوانية حتى نفذ صبري، ثم أتى بك الزمن إلي، عاد بك لعناق الأمان كعناقي لك، عدت لتأخذ مني ذاك الحب الذي علمتني إياه، اقتربت بخطوات ثابتة إليك تبادلنا بعض النظرات تأكدت حينها أنك تشتاق لكل تفاصيلي، تحن لكل شيء تركته معي، أدرت ظهري لك وعدت للشرفة، اتأملك وأنت ترحل وتترك نصفك الآخر هنا ليشتاق.

وكان ذلك آخر ظهور لك بحياتي لأنسى بعدها ملامحك، صوتك، ضحكتك، ثم وعودك الكاذبة، وينتهي كل شيء.

1xbet casino siteleri bahis siteleri