قراءة في رواية البراني لأحمد ولد إسلم

1٬487

صدرت رواية البراني للكاتب والصحفي الموريتاني أحمد ولد إسلم، منتصف 2021 في حدود 222 صفحة. هي الرواية التي انتهت بما بدأت به “سأقتلك” وهي الرسالة الموقعة بـ “انترش” من الروبوت الفتاك المسمى “الباراني” والقاطن في مزرعة في أقصى الشرق الموريتاني. وكأن الكاتب يخبرنا بأن الخطر الذي تواجهه البشرية ما زال قائما، ومصدر التهديد لم يتم بعد التغلب عليه والتخلص منه. ذلك الخطر المتمثل في إمكانية سيطرة الإنسان الآلي علينا مستقبلا، وهو الذي تتسابق البشرية لصناعته بسبب فضولها المعرفي.

إن الهواتف الذكية تشكل خطرا علينا؛ فهي تلتهم أوقاتنا بشراسة، ويتم من خلالها التجسس علينا للاطلاع على أسرارنا ومعرفة أدق التفاصيل عن حياتنا، ومن هنا يسطر علينا الآخر دون أن نشعر، فنحن حقا نبحث عن حتفنا بأيدينا، تطغى الثقافة الموريتانية على نص الرواية في جميع فصولها، وتمجد الرواية التقاليد الموريتانية والموروث الثقافي والحياة البدوية الطبيعية عموما، فمختور الشخصية الرئيسة في الرواية رغم أنه يعيش في مدينة عصرية، ويعمل فيها صحفيا، وخبيرا في الذكاء الاصطناعي، ما زال يستمتع بسماع الأشرطة العتيقة ويصنع الشاي بنفسه على الطريقة التقليدية، ويستخدم الهواتف القديمة بدون إنترنت، ويتصل على راعي مزرعته ليسأله عن أحوال البقر.

كانت الرسالة المعنونة “بلا تبع وقتك” القادمة من مصدر مجهول والتي ترفض كلمة الجملودي الذي أعلن فيها الاعتماد على نظام “باي يور سلف _ادفع لنفسك” على عمال افيوتسيتي كانت بداية الرعب، لقد كانت فيروسا أدى إلى توقف الوقت في الأجهزة كلها، وتجمد الساعات الجدرانية.

وهنا يرجع الكاتب إلى الوراء حيث يتذكر مختور كيف توقف به الزمن سبع سنوات في موسكو قضاها كلها فاقدا وعيه على سرير في مشفى خيري بموسكو، أحداث متسارعة تتوالى وهجوم واسع النطاق يستهدف تجمع أكبر شركات التكنولوجيا والإنترنت في العالم في وادي السليكون في الولايات المتحدة، جميع الساعات توقفت، والناس تكسب قوتها من خلال الساعات التي تعملها، والعالم في ذهول، إجراءات منها وقف الإنترنت اتخذت لاستعادة السيطرة دون جدوى، ما زال الفيروس التدميري نشطا، وفي تلك الأثناء والأزمة في تصاعد، كان مختور في جلسة شاي يلهو بهاتفه القديم، هاتف لم يتأثر بالأزمة؛ لأنه ليس متصلا بالأنترنت، فعقارب ساعته ما زالت تدور، يستمتع بحياته دون الحاجة لهاتف ذكي ومواقع التواصل الاجتماعي.

لقد اشتد الوضع على سكان العالم المتحضر مستخدمو الهواتف الذكية بعد أن وصلت كل واحد منهم، ومن المصدر المجهول رسالة تحمل صورا له، في حالة حرجة وسرية للغاية كحالة تحرش مثلا، أو خيانة زوجية، فعلها في وقت لم يكن يتوقع أن أحدا في الكون قد رآه أحرى أن يصوره، فجأة أصبح المرسل متحكما يهدد الناس بنشر أسرارهم وتسريب كلمة سر هواتفهم إلى زوجاتهم، إن لم ينفذوا أوامره.

مدينة افيوتسيتي، شوارعها الشاسعة ذات المسارات العشر، وأبراجها الشاهقة، كانت مسرحا لهذه الأحداث المرعبة، جزيرة عصرية تكنولوجية، خيالية، بنيت للمهاجرين، وكانت للأمم المتحدة مهمة الإشراف عليها، وذلك بعد أن خلفها زلزال مفاجئ ضرب المحيط الأطلسي، وفي مكان آخر بعيد من هذا يبدو “البراني” يعبث بهدوء بالبشرية في مزرعة مختور القريبة من الحوض الشرقي في أقصى الشرق الموريتاني.

لقد كان المسؤول الأول عن الهجوم الذي تسبب في بلبلة عالمية وهو الروبوت الذي كونه روبوت آخر كان قد صنعه مختور وبرمجه على أن يقوم بجميع مهام المزرعة وسماه “مايخرص”، ولكن الروبوت الصغير خرج عن السيطرة وتعلم لغة التشفير المستوحاة من الموسيقي الموريتانية، وأصبحت له قدرة فائقة على التخفي.

لقد اكتشف أخيرا مختور مصدر الخطر، وطار إلى مزرعته في ضواحي النعمة لتدارك الأمر، وذلك بعد أن سمع صياح “محجوبة” بقرته الخندود وهو في اتصال بالروبوت المتمرد، ورافقه وزير الداخلية لمدينة افيوتسيتي ويالوندا مديرة تقييم المخاطر.

اكتشف رفقاء مختور من الجو أن العالم كله يحترق بما فيه مدينة انواكشوط والمدن الداخلية الكبيرة التي يصلها الأنترنت، ولم يسلم إلا أهل البوادي سكان الخيم ورعاة الإبل الذين لم يسمعوا في حياتهم بكلمتي إنترنت وتكنولوجيا، لم تخف يالوندا الروسية البيضاء إعجابها بالحياة الطبيعية وهي ترى المشهد من عل قبل أن تنزل في المزرعة، والخيام الموقدة أمامها النيران تتراءى لها قبيل الغروب.

هنا يدخل بلخير وزوجته خديجة على الخط، وهو أحد جيران المزرعة ومن معارف مختور، تلقاهم بالترحيب والضيافة، ذبح لهم شاة وصنع لهم الشاي على الجمر، في الصباح كاد بلخير أن يقع في ورطة حين لمحته زوجته وهو يسترق النظر إلى يالوندا وشعرها الأشقر المنسدل على كتفيها، نهرته الزوجة وسارعت إلى يالوندا وقالت لها: دعيني ألبس لك الملحفة، زي نسائي مورتاني.

كانت النهاية غامضة شيئا ما حيث سيطر مختور على الوضع جزئيا وتحول “البراني” إلى دمية يلعب بها الأطفال وسلم مختور لوزير الداخلية حاسوبا قائلا: فيه برنامج يشرح لغة أزوان البرمجية التي يمكن أن تحل كل المشاكل التقنية للعالم.