في رحلة الحياة، نمر من محطتين مهمتين، لحظة الولادة ولحظة الموت، في هاته اللحظتين، نكون غالبا محاطين بالناس الذين يهتمون لشأننا، تجمعهم دموع الفرح لتجمعهم بعد ذلك دموع الفراق والوداع. الأكيد هو أن كل واحد منا عاش التجربتين، فمنا من عاشهما مرة، ومنا من ذاق طعمها عدة مرات، فرحة شهادة ميلاد بدر جديد، ترى أمام عينك معجزة من معجزات الله، تعيش فرحة توسع العائلة والأحباب، لتعيش وسط كل هذا فراقهم وفقدانهم.
وفي رحلتنا الفانية، تجمعنا العديد من المشاعر المتبعثرة، حيث نفعم بلذة الانتصار والسعادة، وفق ما تخيله لنا الحياة من السيطرة الجزئية والتحكم الحسي بزمام الأمور عند تلاقي المبتغى بالحصيلة. ونفعم بكل ما يبغض من بؤس وغضب عند معايشة الخسارة أو الهزيمة.
كلمة حياة في معناها المعجمي تمثل النمو والبقاء، تمثل العمر والاستمرار، الحياة هي الدنيا، هي الروح وهي كل شيء نقيض للموت والزوال.
إن الصراع الأبدي مع الحياة، رغبة في الانتماء الفكري والروحي لكيان أو فكرة تحت ظل البحث المتواصل لهدف أسمى عن طريق القيام والعمل بعدة واجبات وفرائض وهمية كسبب للاستمرار في العيش، تنسينا أهم شيء في الحياة، ألا وهو أن نعيشها، أن نستمتع ونعذب بها، أن نغمض أعيننا في فراش الموت راضين.
يلعب الصراع الفكري بين ما هو عقلاني وغرائزي دورا أساسيا وجوهرا حتميا لطبيعة الحياة، نحن غريزيا اجتماعيون، نكافح للتواصل، نعشقه ونحبه. أما عقلانيا فلا نرى أنفسنا قادرين على العيش وحيدين، منبوذين، لن نقوى، ولن نستطيع، مع هذا، مع التماثل النادر ما بين الرغبة والقناعة، إلا أن الإنسان يعشق الوحدة، الذات دون غيرها، فيضحى كل ما هو تواصلي ممقوت، لننسى قيمنا أحباءنا وأخلاقنا، ونمتد للوصول إلى البرودة واللامبالاة.
ووسط هذه المعمعة، نفقد أشخاصا فارقتنا معهم هاته الحياة قبل أن يفارقنا معهم الموت لنحس بذلك الفراغ الأبدي، الندم على عدم رؤيتهم أو عن عدم وجود الوقت وسط صخب الحياة، لنتوقف ونسأل أنفسنا الأسئلة الوجودية هل للحياة معنى؟ هل فعلا لم يكن هناك وقت أم هي أسباب؟ هل سأتمكن من إنجاز شيء ذي معنى؟
للحياة معان كثيرة لا تنتهي، الحياة لغز، الحياة ضحك وألم، الحياة مدرسة نموت فيها، الحياة هي أنا وأنت، هي الماضي، الحاضر والمستقبل، هي حياة لا بد أن نعيشها بكل ظروفها، تبقى الحياة كلمة صغيرة بمعاني كثيرة حار فيها الناس لتغدو حياتنا بحث عن الحياة.
