قل ما نعير اهتمامنا لفئة فريدة من الناس. عريقة هي تلك الفئة التي نستمد من ينابيع حنانها، ونروي ظمأ الحياة من فيض حكمتها. إنهم الشيوخ والعجائز، كبار العوائل لكنهم صغارها أهمية وتمركزا في مجتمعنا بالرغم من أن ديننا الحنيف أوصانا بهم كونهم آباؤنا وأجدادنا..
من المؤسف أننا نرى بأم أعيننا وجود دور عجزة شيدت حديثا في عقول العرب قبل أن تشيد في أراضيهم، حيث أدى الانفتاح على ثقافات إلى انغلاق وانطماس هويات أخرى. لن أعمم؛ فالتعميم في موضوع قابل للنقاش غباء، لكن لن أستثني وجود نسبة مهمة تهمش كبار السن ولا تكترث لأمرهم.. بل تتذمر من تصرفاتهم متجاهلة كم التغييرات التي يمر منها المسنون، جسدية كانت أو نفسية، سنها القدر وعدل الخالق.
تمر سيرورة الإنسان بمجملها من ثلاث مراحل: ضعف ثم قوة ثم من بعد القوة ضعف وشيبة، لا هو اختار ضعفه الأول حيث غاب عنه الإدراك ولا هو راغب بضعفه الثاني وهو مدرك.
تظل أول قاعدة ليهنأ البال هي تقبل الهبة التي أعطانا الله إياها، وهي أجسادنا، بشتى تغيراتها، وتقبل الهون والضعف، فالكون كله بما فيه نحن آيل إلى فناء.. لكن الروح من حسن الحظ إن غذيت لا تشيخ وذلك بالعبادة والتأمل والحرص على السلام الداخلي. إن سألنا كبار السن الذين نعجب لصحتهم ولياقتهم التي تفوقنا أحيانا، سيجيبون غالبا على ما أظن بأن ذلك ما كان ليحدث لولا العمل على السلامة النفسية.
رسالتي بعد هذا القول موجهة إلي وإلى الشباب من أمثالي لكي نلتفت لتلك الجدة البشوشة التي تعطينا حصة الأسد من كل ما لذ وطاب، التي تربت على رؤوسنا مدندنة بألحان أصولها التقليدية ببحة سنها الشجية.. وذلك الجد الذي يفاخر بنا أقرانه يتحفنا بمغامرات شبابه ويغدق علينا من حكمه ومواعظه في الدنيا، علينا أن نعيد النظر في تصرفاتنا تجاههم سواء في الحياة الأسرية أو الاجتماعية حيث نلقاهم كزبناء أو مرضى، جيرانا أو غرباء، من الواجب أن ندرك لنتدارك أخطاءنا في التعامل معهم فهم لا يلتمسون منا الشفقة بل يستحقون أن ينالوا الاحترام والتقدير. أن تترك مكانك لهم في الحافلة، أن تسمح لهم بتجاوزك عند طوابير العيادات والمقاطعات أيضا.
ختاما، أمرنا ديننا كشباب مسلم باحترام الكبار، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: ‘‘إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط.‘‘ رواه أبو داود
