وجوده يعطينا الحياة وغيابه يترك لنا معناها!

الماء، نعمة اعتادت عليها البشرية، وكلما يسقط في كفة الاعتياد ينتهي به الأمر ليصير مضمون البقاء، ثم ترجح به تلك الكفة ليهوي إلى دهاليز الإهمال واللامبالاة، فلا تعود شعلة استشعارنا لوجوده إلا عند تهديدنا بفقدانه أو بالخطر حيال غيابه، وهذا ما نعيشه حاليا.

صار الماء حديث الساعة على النشرات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لطالما كان حديث الساعة عند من يقدرون أهميته ويشكرون الله تعالى ممتنين في كل يوم على وجوده. إن استشعرنا عظمة الماء من منظور مختلف بعيدا عما يروج، بعيدا عن كونه أساس الحياة، وبغض النظر عن المقالات العلمية والإحصائيات المنشورة، بل من منظور ستقشعر له أبداننا ولن نستهين به مهما بدا لنا متوفرا.

ببصيرتنا سنرى الماء جنديا من جنود الرحمان التي لا ترى مع أنها ترى، لا يرى سره إلا للمتفكرين والمتدبرين من أولي الألباب، كان للماء قصص وعبر خالدة في ديننا، فوجوده يعطي الحياة وغيابه يترك معناها، كان وجود الماء بشرى لهاجر وغيابه كان درسا لسيد مصر وعزيزها وآية فرج لنبي الله يوسف. كان الماء جنديا مقداما حيث حمى موسى عليه السلام ومن معه وأخذ فرعون فكان من المغرقين. كان الماء نور خير لحبيبنا محمد حيث نبع من بين أصابع يده الشريفة وكان ظلمة ليونس عليه السلام، والقصص كثيرة، الماء آية من آيات الله: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68-70]. ففي الآية الكريمة لم ينذرنا الله تعالى بفقدان الماء بل بوجوده أجاجا أي شديد الملوحة لا يطاق ولا يستساغ، ولهذا فتقديرنا للماء مقرون باستشعار عظمته في وجوده كما في غيابه، فشقاؤنا قد يكون في كلتا الحالتين، إما أن يغور في الأرض ويجف فلا نستطيع له طلبا وإما أن يكون وافرا ولا نقدر على الانتفاع منه أبدا.

في أحد الكتب الطبية التي تتحدث عن الماء في ألف صفحة، كان عصارة أفكارها أن تجمع 16 دليلا مفاده أن الجسم لا يمكنه أن يخزن الماء بداخله بل تخزيننا له في أجسادنا علة ومرض وشقاء، والكتاب برمته قد لخص منذ زمن في أربع كلمات من الآية:  {فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22].

وغير الآيتين اللتان ذكرتهما قد ذكر الماء في مواضع أخرى كثيرة في كتابه تعالى، وهذا بحد ذاته أعظم دليل على عظمته وأهميته، وحين نتدبر ونتفكر في عظمته مليا سنسعى جاهدين للترشيد في استعماله ونعي بعد ذلك أهمية الرشفة الواحدة محبة لا رهبة وتحسبا من فقدانه.

1xbet casino siteleri bahis siteleri