ما ذنب الحياة؟

الحياة بمداها واتساعها، بتعدد أركانها وأشخاصها، بالخير والشر المتدفقيْن على كفتيْها، ببهائها وجَمالها، الحياة ذاتها التي تستقبل المَولود نفسه الذي تودعه ميتًا، وبين تِلك الولادة وذلكم الموت مسافة قد تكون قصيرة أو طويلة. إنّها ذات الحياة التي نأكل فيها ونشرب ونتنفس كي نضمن بقاءنا، نمرض فيها، نحزن، نفرح، نحب، ونقضي أوقاتًا لا تعد ولا تحصى ليبقى المهم في نظرنا محفورًا في الذاكرة وما غيره إلى زوال.

إنّ لهذه الحياةِ زمن ونحن بلا زمن، للحياة وقت بدأت فيه وستنتهي، أما نحن فلم نعرف متى أصبح لنا وجود ومتى ستكون لنا نهاية. نحن نعرف فقط وقت ولادتنا والآخرون سيعرفون وقت موتنا، ما عدا هذا، فإنه يتم بشكلٍ خفيٍّ لا يعلمه إلا من دبّره.

قبل الولادة لا نعرف أين كنا، وبعد الموت لا نعرف أين سنكون، وبين هذه الولادة والموت نلتقي بالحياة أو تلتقي بنا لتكون جزءًا يساهم في استمرارية وجود هذا الجسد الذي هو مجرد مخزن للنفس البشرية، والذي سرعان ما يمتزج بالتراب ليصبح منه بعد أن يقضي مهمته ويوفي أجله، أما تلكم النفس فلا أحد يدري أين حلٌقت وسارت، من يدري كيف كانت نفسنا البشرية في زمانٍ آخر؟

هل نحن طلبنا من الله أن نكون على هيئة هذا الإنسان؟ هل كنا مجرد عدم؟ وكيف كان شكلنا ونحن عدم؟ وهل للعدم شكل في الأصل؟ كيف كانت أشكالنا حين قبلنا الأمانة؟ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} أين كنا منذ ذلك الوقت إلى لحظة الولادة؟ وإذا كان الواحد منا هو ذلك الخيط الوراثي الذي ينتقل من جيل إلى آخر حتى يأذن له الله فيصير جينينًا في بطن، فهل بإمكاننا اعتبار وجودنا وجودًا طويل الأمد قد بدأ منذ بدء الحياة على الأرض أو أكثر!

إن الحياة جزء من الإنسان، والإنسان كذلك جزء منها، يسير كل منهما باتجاه الآخر نحو نهايةٍ واحدة، وهي تصر على أن تؤكد لنا بأننا سنظل أفرادًا متفرقين مهما التصقنا بالآخرين أو التصقوا هم بنا، إن أرواحنا لا تتوحد مع الآخرين، ومهما تجاذب الذكر والأنثى وأحبوا بعضهما وامتزجا إلا أنهما يظلان اثنين ويذهبان بشكلٍ متفرق، وما غير ذلك من تيه واستسلام بين يدي الآخر ما هو إلاّ ضعف وحاجة للذوبان في شخصيات الآخرين هربًا من الذات لا أكثر.

نحن أفراد، والله يعاملنا كأفراد، كل شخص يستطيع التحدث مع خالقه وكأنه المخلوق الوحيد لهذا الإله، بل يشعر بهذا بشكلٍ كامل، يشعر بأن الله يسمعه هو وحده ويراه هو وحده وعلى هذا الأساس يعاملنا الله تبارك وتعالى وعلى هذا الأساس أيضًا سيحاسبنا ويجازينا. {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}

الحياة بريئة مما نعطيها من أوصاف الخيبة، الظلم والقهر، وإن كان ثمة شر في الوسط فمصدره نحن، أو هي أقدار لا يعلم حكمتها إلا الله، ولا دخل للحياة التي هي مجرد مَخلوق نتفوق عليه بكوننا أحرار وبكونها مُسيّرة،

1xbet casino siteleri bahis siteleri