لماذا هم سعداء؟

“من أبشع الممارسات -التي عجبا كيف يجد فيها الفرد متعة لا تضاهيها متعة- وهي الانتقاد اللاذع لكل شيء يقع عليه بصره غير مكترث بما قد يسببه من أذى وجرح قد لا يلتئم أبدا، بذوات أشخاص لا تربطنا بهم أية علاقة ولا نعلم عن الآلام التي تعتصر قلوبهم كل يوم!

اليوم أكثر من أي وقت مضى، أصبح التنمر ظاهرة تفرد جناحيها بطلاقة بسماء مواقع التواصل الاجتماعي، إن هي إلا جولة بضع دقائق لحسابات المؤثرين أو لأي شخصية عامة كفيلة بأن تسدل الستار عن كثير من التجاوزات، الإهانات المقذعة وسيل الشتائم الذي يغدق التعليقات والرسائل الخاصة، فيبقى التساؤل الأهم، لم كل هذه الإساءات المجانية؟ أين يكمن ذنبهم حتى لا تتردد في إهانتهم بكل ما ملئت به جعبتك من ذم؟ ألأنهم أحبوا مشاركة تفاصيل حياتهم وإنجازاتهم المبهرة ونجاحاتهم وقدرة البعض على الحصول على كل ما يهدف إليه كما يظهر لنا؟ ربما!

لا نستطيع إنكار أن عرض هذه الإنجازات المبهرة يثير سريعا حفيظة الفاشلين والحقودين وغير الراضين عن أوضاعهم، خصوصا أصحاب عقلية الندرة الذين يؤمنون أن سعادة الآخر تمتص من رصيد سعادتهم، بل وأن نجاح الآخر قد يلغي حظوظ نجاحهم وتفوقهم، فتسود قلوبهم حقدا وتغشى بصائرهم أسى وحسرة فلا يجدون سوى شاشات هواتفهم أو حواسيبهم لفتك ما استطاعوا من أنفس. ألا يجدر بنا ترويض أنفسنا على ألا تنفض كريشة وترتعش كورقة فقط لأن شخصا آخر حقق شيء لم نستطع أو نتمنى بلوغه؟ ألا يتوجب علينا أن نروي عطشنا من سد المعلومات التي تفيض علينا من كل صوب في زمن صارت فيه المعلومة متاحة بشتى أنواعها، بل وصار مثقفو العالم يشاركوننا مكاسبهم وتجاربهم دون أن يكلفك الأمر مغادرة أريكتك؟

مقالات مرتبطة

إن لم تكن تستطيع مقاومة المشاعر السلبية التي تتملكك عندما تتجول بين الحسابات التي تتراقص سعادة وتصور لك شكل الحياة المثالية فليس عليك سوى إلغاء المتابعة والبحث عن محتويات تناسب اهتماماتك وتروقك، هكذا ببساطة! ليس عليك التسبب في ضيق صدرك بأن تدقق في تفاصيل ما يشاركون من خلال حساباتهم، أن ترنو لمعرفة إن كانوا أشخاصا متصنعين في خطاباتهم، أو ممثلين في روتينهم، إن كانت مفاجآتهم مدبرة أو أنهم يعيشون حياة مجانية! لأنه لا يجب أن يغيب عن ذهنك أن في الضفة الأخرى حيث اخترت الوجود هناك الكثيرون ممن يستفيدون مما تقدمه مئات المنصات التثقيفية في كل الميادين، إذ أنها تتيح لك الفرصة للتواصل، للتعلم، للتمرن، والتميز عن طريق الحصول على شهادات معتمدة أو ذات قيمة مضافة لمكتسباتك ومعارفك.

نحتاج لأن نعي حقيقة الانتقادات السامة عموما، لأنها انعكاس شفاف لنقص هرمون التسامح بذوات الكثيرين، فالتسامح لا يكمن في مدى موافقتك أو دعمك لما يختلف فيه الآخر عنك ولكن في تقبل وجود ذلك الاختلاف فقط. لم نخلق لنتعايش أو يحيط بنا أشباهنا في أي شيء، والإصرار على تحقيق ذلك إنما ضرب في الرمل أو رسم في الماء، فأينما وليت وجهك وأدرت بصرك ستجد من هو مختلف عنك شكلا وتوجها وتفكيرا. يبقى دور كل منا، أن نطمئن أولا لهذا الاختلاف فهو لا يمس قيد نملة بسلامنا الداخلي إلا إن أذنا له بذلك، ثم يجب أن نقتنع أنه حافز للتعلم والتأمل والتطور،

وأخيرا لا بد أن نراعي مشاعر الآخرين بينما تنفلت الكلمات الجارحة من بين أناملنا على محتويات أناس لا نعلم عنهم سوى نبذة صغيرة جدا مما يعيشونه بالفعل! فإن كانت لك موهبة ووقت للتعليق والتفاعل فليكن لمحتويات ذات فائدة وتأثير إيجابي أو اصنع لك أولويات لا تبقي لك متسعا من الوقت لمراقبتهم، وحدد أهدافا مهما كانت بسيطة لكنها كفيلة بأن تشغلك، وتطورك وتعزز من قيمة وجودك كفرد تعتبر آخر اهتماماته كيف يمضي فلان يومه! فلتكن لك وظيفة أهم من ذلك!

1xbet casino siteleri bahis siteleri