المُثُل العليا للجمال في زمن مواقع التواصل الاجتماعي

سوقت مواقع التواصل الاجتماعي لأنموذج/modèle جمالي غاية في الخطورة. أصبح الجميع مهووسا بالمُثُل العليا للجمال التي يتمّ عرضها / مَسرَحَتُها (la théâtralisation) في الإنستغرام، بشرة تكادُ تكون مثالية، شفاه ممتلئة، أنف معقوف معتدل، عيون حوراء وأرداف وصدر ممتلئ…معايير تافهة أصبحت تجذب انتباه الشباب بشكل غير معقول، لحدّ نجد فيه آلاف اللايكات والتفاعلات مثلا على صورة شابة بلباس البحر، في حين أن نفس الفتاة إذا كتبت مقالا أو شيئا فِكريا، في أغلب الأحيان لن يقرأ هرطقتها ويتفاعل معها سوى قلة قليلة. وهذه التفاعلات نفسها تكون موضع تنمّر على العديد من الأشخاص والمشاهير ممّن يجد هؤلاء أنهم لا يرضخون لمنطق وللامنطق هذه المُثل الجمالية المُزيّفة…

الذي ينبغي على الشباب أن يعرفه اليوم، أننا، نحن النساء نجد مُتعة لا تُضاهى في أن نشتري أو نرتدي لباسا جميلا، وأن نصفّف شعرنا ونضع قليلا من الماكياج ونلتقط الصور، بالنهاية تلك طبيعة المرأة، والجمال يغدو حاجة ورغبة وجودية كما كان يقول Abraham Maslow تخصّ النساء كما الرجال على حدّ سواء. لكن ما ينبغي أن نعيه بشدّة، أن كل تلك الصور التي يتم تسويقها لا أساس لها من الصحة ولا تمت لواقع صاحبها بصلة.

مقالات مرتبطة

خبراء تجميل يقضون شهورا عديدة في النفخ والشدّ والنحت حتى يصل الزبون للصورة/النتيجة المرجوّة، بعدهم خبراء ماكياج كبار يقضون ساعات طويلة في التعديلات الاستطيقية/الجمالية القبلية، تليها تحضيرات للباس ويتبعها إبداع في التقاط الصور، بالشكل والإضاءة والوقفة la pose، وبعدها تعديلات معمّقة بتطبيقات الفوتوشوب. وكل هذا يسبقه تحضير ودراسات جدّية من خبراء في فنّ الصورة والبروتوكول الجمالي، وخبراء في الـ Personnal Branding للفنان أو رجل الأعمال أو أي شخص قد يكون مشهورا أو فقط قام بتضخيم لعدد متابعيه عبر تقنيات التسويق الرقمي… كل هذا لا لشيء لكي تبدو تلك الصورة بمعايير مثالية، في حين أن واقعها لا يمتّ للحقيقة بِصِلة، ولحدّ قد تلتقي الشخص واقعيا وتنصدم بكونه قبيحا وبشكل متغيّر ووجهه به بثور وهالات سوداء وجسم ثخين أو سمين… هؤلاء يقومون بهذه المجهودات جميعها لغرض تسويقي وربحي محض، يتسوّلون به بعض اللايكات وبعض الدعايات وles collaborations.

المضحك في الأمر أن البعض يغريه هذا الكمّ من الزّيف واللاواقعية؛ فتجد هذا يتذمّر يوميا لأن صديقته لا تشبه Jennifer Lopez مع أن الفرق بينهما ما يزيد عن 30 سنة، وهذا من احولّت عيناه حدّ التنمّر على شكل زوجته المسكينة التي لا يصرف على جمالها حتى 500 درهم شهريا، ويريد منها أن تكون بجمال ياسمين صبري أو روان بن حسين اللواتي يصرفن على جمالهن أو يصرفُ أزواجهن عليهن ملايير الدولارات كي يبدين في تلك الصورة.

إن تسويق الجسد والصورة والمُثُل الجمالية موضوع ينبغي أن نفكّر فيه بجدّية بالغة، وأحمقٌ من يعتقد أن عالماً كذلك الذي يبدو في الإنستغرام حقيقي ووردي كما يبدو عليه. معظم المشاهير ممّن يغوصون في عالم الزّيف هذا، مصابون باكتئاب وبأمراض نفسية غاية في الخطورة، منهم من فشلت قصص حبّهم أو زواجهم التي كنا نراها مثالية، منهم من يعيشون الجحيم مع بعضهم، وفي اليوم ذاته يُجبَرون على تنزيل صورة تشعّ سعادة وسرورا وبهجة، ومنهم حتى من انتحر ومات في ظروف غامضة، ورجّح العديد أن موتهم كان بسبب تلك الشهرة و”التأثير” المُزيّف.

1xbet casino siteleri bahis siteleri