منذ أول نفس لنا ونحن نخط خطوطا تجتمع وتلتقي لتنسج جزءا لا يتجزأ من قصة، قصة مختلفة ومتميزة عن باقي القصص إن استهليتها فضولك سيجرك نحو إكمالها وإن كتبت لها نهاية فيا ويلك ثم يا ويلك من ختمها.
لست الأول ولا الأخير اخترت من بين الملايين وتلمست أناملك أمانة روحك كي ترفرف بها وتخوض غمار المجهول… مسار ثري بالأحداث الشيقة، بالمعارك الجمة وبالأحلام اللا متناهية، فهو يجسد مجموع خطى الإنسان إذ أن كل خطوة يخطوها تحمل في طياتها دروس تجاربه الفارطة فهو بهذا كائن متباين النهبة.
بعيدا عن ديننا ومبادئه العالقة، غالبا ما يغير المرء مراده ومبتغياته تزامنا مع مهجته ونضجه وفي المقابل قليلا ما يتشبث بنجوى أو حلم وعند التلفظ بكلمة المرء وجب التعمق فيه لإحاطته بغية الوصول إلى كينونته الخاصة والتي أثناء سلكها لطريقها دائما ما تميل نحو الاستقرار وتسعى جاهدة لرف أجنحتها وسط أسوار آمنة وهي بدورها تتغير تارة وتتشبث تارة أخرى فهي بهذا في صراع دائم بين الهدوء والعاصفة.
…. الهدوء ما قبل العاصفة ….
بين الهدوء والعاصفة كث من الأسئلة المنحوتة في الذاكرة ومكثار من الأجوبة المضمرة… لذا فليس الصمت دائما خلوة النفس أحيانا هو تراكم معارك تنتظر فقط وقت إفراجها كي يتم البوح بها وهنا تتجلى العاصفة. جدير بالذكر أن البراكين مميتة أحيانا ومنقذة طورا آخر وحلي بالذكر أن للهدوء وجه غريب أحيانا ومألوف تارة أخرى… فأيهما أنت؟
بين الهدوء والعاصفة نفق نام الصمت مركبه وهاج الصراخ جسره… صمت يسكن الطهر أحشاءه وصراخ يعكس موتا طائشا في ظل الزحام… فهل لك غير الهدوء مسلكا وعقلك حافل بلوعتك معكرا صفوة بحرك؟ وغير العاصفة منوالا وربانك لم يثأر صوته أحد آكله الجور وهو يغرد؟…
الهدوء بحر عميق شقته الارتجاجات والضوضاء لكنه لا زال متشبثا بالبحث عن بره طامسا جوفه… بحر حي سطحه بأنغام أنفاسه المتنهدة وميت عمقه بآهاته ومآثمه اللاذعة… بيت بحر اغتم شاعره وهو يخط، لأزمة تكدر صاحبها وهو يثب وقافية تبرم متقنها وهو ينثني… فؤاد ارتمى على عرش الروية مترقبا إقبال رفوف طيوره كي تغرد شجيه وتنحني لتأخذ أشعاره وترحل.
وفي الضفة الأخرى تتربع العاصفة التي تند طائرة تراكمت الغيوم على سيرها فرقصت على عزف هبوبها. عزفا نكص الزمان موطنه حتى انتكس عن تلبد مؤتمنه وتغنى بخربشته المكتومة إلى أن ثوى العراك دربه وانسكبت مياهه المتكدرة وأراقت معها أغصانه الذابلة… حرب اندلعت بعد انصهار جليدها ودق مزامير انشطارها ساعية إلى مجن كيانها المضمحل الذي جازف بأغلى ممتلكاته بيد أنه استنزفها كليا ليجد فيضان لوعته منيره الوحيد.
هناك من يغتني بالصمت وهو في عز عواصفه الداخلية وفي المقابل هناك من يلد إلى البوح وإظهار المكنون مهما كلفه الأمر… وتبقى خير الأمور أوسطها… فما أجمل أن تتحلى بالهدوء محاولا إدراك تفاصيلك المبعثرة فبحر حياتك غالبا ما سيكون مبعزق الأوزان لكن لا ترسي هنا، استمتع ببعثرته وانشد راحتك منها… سكنه بتلاوة الكتاب فلا ألذ من هذا أو بخط الخواطر أو بأي شيء يحررك من حروبك القائمة… وفي المقابل حين اختلائك لا تقتل كيانك بصمتك ولا تدمر وجدانك بارتطامه، اصرخ وابكي، تخلص من كل ما يؤلمك فحتما بعدها ستجد ذاتك حديثة الولادة لكن بينك وبين نفسك… تأكد أن العاجزib هو من يلجأ عند النكبات للشكوى فجرحك يؤلمك أنت فقط ودمعتك الثمينة هي تلك التي تسقي خدودك مناجيا رحماك… فما أجمل ثم ما أجمل أن تتنعم بالصبر وتتوكل على مولاك هو وحده قادر على بث الفرج وشفاء العليل… فلتتسم بالحكمة والصبر ولتتشبع بدروس وحكم مدرسة الحياة فلولا عواصفك لما سادت قط..