عودة إلى الأصل
سافرت لأترك نسخة مني طبعتها الدوامة اليومية بصورة باهتة وأجد نسخة أصلية أصيلة مني بين فجاج الجبال، كل شيء هنا حقيقي.. الناس، تعاملهم، طبيعتهم، ضحكهم، كرمهم، مواعيدهم، أحاسيسهم..
فعلا، ما تفتأ إلا أن تخجل من نفسك وأنت تخالطهم على بريقها الذي فقدته وسط المدينة الهوجاء بضجيج سياراتها وتعامل أناسها الذين صار معظمهم يحمل على الأقل نية واحدة عوجاء وهو يتعامل معك..! التقينا رجلا في الطريق بعد المشي 5 ساعات، فهمنا أنه يحضر الشاي لمن يمر من أمامه فقال لنا : “واش بغيتو أتاي؟” صعب أن تجيب بنعم ولا تفكر بكم سيكون ثمنه فإذا به يخبرنا أنه بالمجان وهو واثق من نفسه بابتسامة وانشراح صدره وغنى نفسه عن دريهماتنا.. فما أغناه من رجل !
هنا قرية تيزي أوسم، النساء يجمعن الحطب يقطعن المسافات الطوال في المسالك الوعرة حاملين أكثر من عشرين كيلوغراما على ظهورهن، الرجال يشتغلون في مراكش أو امليل نظرا لصعوبة تحقيق أساسيات الحياة.. طلبنا من امرأتين أن يسمحن لنا بمساعدتهن على حمل الحطب مكانهن علنا نستشعر مذاق صالات حمل الاثقال في المدينة إن هي فعلا أجدت نفعا في تربية عضلاتنا لكن الحقيقة أننا لم نستطع المشي أكثر من 10 دقائق حاملين أقل من 15 كيلو..
الحبيب.. سألته : “هل تدرس؟” فرد علي بلغة حازمة: “نعم في الثالث ابتدائي” ثم انصرف مستعجلا..تعامل معي وكأنه مدير عام وقته جد نفيس.. أعجبت بكاريزمته التي لم يقرأ عنها في الكتب ولم يحضر دورات تكوينية لاكتسابها. في العطلة التي يعطل فيها التلاميذ والطلبة عقولهم عن القراءة وأجسادهم عن الرياضة يقوم هنا الأولاد برعي ماعزهم ومواشيهم بحنان وعطف وصرامة.. لا يمكنك أن لا تتأثر ! لا يمكن !
الخروج من دوامة الحياة المعاصرة المدنية صار ضرورة للحفاظ على نفسية متوازنة والبوح بأسرار الذات، والحقيقة التي قد لا تجدها أنت تجدك هي، وهو أن قلوبنا مرضت بحب الظهور بدل الاستمتاع بأوقات خلوة بينك وبينك.. والتنافس على جمع عملة المال بدل جمع لحظات سعادة متناثرة عند أناس عملتهم الحب والطيبوبة !!
هنا تتثاقل عقارب الساعة عن الدوران بسرعة لتقول لك توقف وفكر.. ما الذي تفعل حقا في حياتك ؟ ماهي قضاياك الكبرى التي تحيا من أجلها ؟ كيف تفعل ما تفعل ؟ هل أنت راض عن حياتك ؟ ما الذي يجب أن يتغير ؟
من هنا يا صديق.. تكون قد طبعت نسختك الأصلية.. فانطلق !