إدارة الشغف‎‎

جلست أتأمل طويلا تلك الرسمة، أحاول أن أستوعب التعقيدات الكامنة وراء بساطتها، شعاع أو نور ينبعث من كيان شخص بينما في عينيه وثوب وتأهب غير عاديين. كانت هناك حياة تنبعث من اللوحة لمجرد وجود ذلك الشعاع، فكرت مليا في ماهيته، ثم لم تَبْدُ لي كلمة مناسبة أكثر من الشغف.

إن الشغف يجرد الإنسان من مفهوم الزمان؛ فلا هو يتكأ على ماض ولا هو  يتطلع لمستقبل، نصب عينيه مزيج من الحب الطفولي البريء لشيء ما يربطه بالحياة وكأنها أبدية، حب كلما منحته من كيانك كلما توهج وارتقى بك للأعالي.

جميلة علاقة الإنسان بنفسه؛ حيث يسبر أغوارها وينصهر في تعقيدها، لتفصح له عن شغفه. ذلك الوقود الذي يجعل منها دولة قوية مستقلة.

غالبا ما تتراقص الأسئلة في أذهاننا، متى ما صادفنا إنسانا يجر جسده نحو نقطة يجهلها من الحياة، ما الذي يدفع الإنسان للتخلي عن شغفه؟ أم هي مسألة إجبار؟ إذن؛ ما الذي يجردنا من شعلتنا ولماذا نقترب منه؟ لعل الجواب أدرجناه في تساؤلاتنا البريئة وإن لم يكن بالحقيقة المطلقة أو النقطة المرجع. الحديث هنا عن شخصين؛ شخص لم يحدث قط أن صادف شغفه بالحياة وإن أوهم نفسه لمرات بمشاعر لم تمثله يوما، ارتأى أن يسير على خطى من بدا له سعيدا ممتلئا بالحياة. لا أخفي عنكم، يُخيل لي روح هذا الإنسان في جحر مظلم تنتظر أن يتم اكتشافها والالتفات لها، إذ كيف لإنسان أخذ بيدها وذاق الحياة في أقل اللحظات اتزانا، يجرب ويسأل نفسه هل يا ترى أجدك هنا أم أن هذا المكان سيقلل من وهجك، تفرح الروح وترقى بصاحبها إلى جوهر الفهم ولذة المعرفة. كيف لهذا الإنسان أن يضعها دون محلها وأن يجعل روحه سجينةً منبوذة. أما عمن وجد ضالته وشعلته المضيئة ثم جُرد منها، فالحسرة أكبر لأنه علم ما فقد، سرى في شريانه الأمل، وضع دمه قربانا لحياة يحياها بحب وشغف، بغض النظر عن الطريقة إلا أن فقيده كنز ثمين.

أما عن لماذا، فلا جواب أو كل الأجوبة واردة، لكن أشد الخاسرين من تخلى، ترك نفسه في الغياهب، تحاول التشبث، نبذها بتهمة أنها لا ترقى لحياة الآخرين، لا تبلغه ما وصله المشاهير، شغفه بسيط ولن يتعدى بيت مزارع بسيط أو عامل يدخر الدريهمات ليشتري قميصاً يفتخر به مع غنماته، شغفه الذي يعطي البهجة لروحه، لا يحصد إعجابات الرواد ولا يجعله محط الأنظار، عيناه رأت، رأت بذخا وترفا في واقع ولو أنه افتراضي، حيث افترضوا أن الشاب في الخامس والعشرين سيرسم القمة لنجاحه وما يتبعها من قصور وسيارات فارهة وساعات وأطقم ثمينة، هنا كفرضيات أخرى، امرأة مر عليها دهر وهي ما تزال في العشرينيات، أجسام ممشوقة جيوب مملوءة وسيارات مصفوفة، أوهام تكدس في عقول العابرين فتهدم الأحلام والآمال.

1xbet casino siteleri bahis siteleri