اللحظة الراهنة‎

في روايته الأولى “آلة الزمن” تحدث هربرت جورج عن عالم تمكن من السفر للمستقبل ليكتشف بعدها ما لم يسره عن مآل الجنس البشري. تخيل معي لوهلة عزيزي القارئ أنك البطل في رواية الأديب هربرت، تنتقل للمستقبل بفضل آلة الزمن، لكن في نسختنا تخيل نفسك عالقا في الآلة نفسها، لا تنتمي لمكان أو زمان، حتى ومع احتمال عودتك في زمن ما، تبقی الخسائر ليست بالهينة، لأن عمرنا محدود.

يبدو ما قيل وكأنه محض خيال بحت والحق معك، إلا أنه لا يخلو من شذرات الحقيقة، فالاحتمال يقل مع ما أطلقت عليه نظرية النسبية سرعة كسرعة الضوء وهو الشيء الذي لا يمكن علميا، إلا أننا نملك سرعة الخيال، لا شك وأنك سبق وأن سافرت بمخيلتك لماض عند أناس أحببتهم أو كرهتهم، أناس لم يعد يربطك بهم سوی الماضي، عدت حنينا للحظات لم تعش مثلها أو حسرة على أوقات مرت كلمح البصر؛ حتى وإن تخطيت ماضيك فلا بد أنك حلمت بالمستقبل، خذ نفسا عميقا وتخيل نفسك وأنت تحصل على المرتبة الأولى في صفك، على منزل أحلامك، منزل دافئ حيث تؤثت لأطفالك الحياة التي ترجوها لهم، هذا الإحساس الجميل، النشوة اللحظية تدفع الإنسان للهرب من واقع قاس إلى تخيلات حيت المثالية تطغى على الصورة، من وحدته لأناس أحبهم؛ لكن الحب لم يكن كافيا ليستمروا معا، يهرب الإنسان من اختلافه إلى ما يصهر كيانه.

ماذا لو آثرنا أن نعيش الحاضر فقط بحجة أنه كل ما نملك، تلك الأحاسيس والمشاعر التي تجتاحنا عند استحضار ذكرى جميلة أو سيئة سيكون من نصيبنا أن نعيشها ونستمتع بها. آنذاك فقط ستكون أنت، الهواء الذي يملأ صدرك، النسيم الذي يداعب وجنتاك، شعاع الشمس المنعكس من على بشرتك، أنت الدندنات التي تخرج دون أن تلقي لها بالا، أنت الضحكات التي لا تستطيع أن تتحكم فيها، أنت كل الصدف التي لم تجد لها تفسيرا، أنت الحزن الذي تحاول أن تخفي، أنت القوة التي تتصنع ستكون كل ذاك أنت فقط.

ما أحاول إخبارك به عزيزي القارئ أننا ككائنات بشرية بماهيتنا المعقدة وتوجهاتنا البسيطة نملك الحاضر فقط، الحاضر الذي سنفتقده في حاضر آخر. هذه النسخة من أنفسنا هي الأخرى ستتغير، ستصبح ذكرى سنفتقدها أيضا وربما سنندم لأننا لم نتريث ولم نلتفت لها.

في كثير من الأحيان تجبرنا الحياة، لكن عندما تضعك أمامك الخيار احرص أن تركز على حاضرك، على ما لديك لا ما ينقصك لتعيش سيدا لنفسك، الحياة وجدت لتعاش في الحاضر، هناك حكمة في الماضي وأمل في المستقبل، لكن الغاية الأساسية هي الآن. لكي لا تعيش فقط في سبيل تلك اللحظة التي تخبئ لها عطرك المفضل، ملابسك الأنيقة، أفكارك الغريبة، ربما اللحظة لن تأتي، ربما تمضي عمرا في التخيلات.

1xbet casino siteleri bahis siteleri