الحياة 

حينما نود الإفصاح عن شيء يخصنا، نحس كأننا في الطريق لارتكاب جرم أحمق في حق أنفسنا. نمسك القلم بيد راجفة خائفة وعاجزة عن تحرير قيود وأسرار صاحبها. فكيف لها أن تحكي سواد حياة عيشها على ورقة بيضاء ناصعة البراءة. فيصبح المرء في مواجهة بين سواد القلم وبياض الورقة. أبيض وأسود لونان نقيضان متضادان، وكذلك هي الحياة تتركنا تائهين فيتناقض أحوالها ومواقفها.

فنحط الرحال داخل دائرتها المغلقة، ندور حول أنفسنا. لا نعلم البدايات من النهايات ولا نعلم أننتظر الموت أم نظل على قيد الحياة، ولا نعلم أيضا أيهم خيرا أم شرا.

تخيفنا الحياة باختباراتها وأحداثها غير المتوقعة خاصة حين تكشف لنا مدى بشاعة الأشخاص حولنا، فتبرز الوجوه المخبأة وراء الأقنعة المؤقتة، فتصفعنا الحقائق بقوة، ونهم لمسح غبار الحقارة على محياهم لتنطفئ قناديل المودة والرحمة التي لطالما حملناها داخلنا.

غضضنا أبصارنا وفتحنا صدورنا حد الانشراح ومددنا أيدينا كل المد رغم هفواتهم وأخطائهم. كنا دائما غارقين في محاولات البحث وخلق أعذار لتصرفاتهم، ربما نجد ما يخفف ويقلل حقارة أفعالهم. هكذا، أصبنا بعدوى الإحباط وفقر الثقة الحاد، فصرنا نخاف كل العلاقات ونتخوف من كل الوجوه البشرية.

ألسنا الأحق بقلب تغمره السعادة؟ لم نجد الحزن والقلق يتشكل في قوالب الحياة يأكل دواخلنا ويجعل أطرافنا تتآكل شيئا فشيئا. محزنة هي، والأكثر حزنا أننا هزمنا أمام الأشياء التي أحببناها، نعم الأشياء التي طالما كانت الأقرب والأسبق.

استنزفنا كل طاقاتنا في مواضع لا تناسبنا وطرقا هرعنا إليها ومشينا نحوها آلاف الخطوات ولم تتجه نحونا ولو شبرا واحدا. هكذا صرنا، نحمل أثقال الحياة على عاتقنا، قاسية هي، غيرت مبادئنا وأرغمتنا على تغيير وجهاتنا. فأخذنا مسارات غير التي خططنا لها وذهبنا عكس تيار توقعاتنا وللأسف حظينا بأقل ما تأملناه.

رغم كل هذا، دائما ما نسارع الحياة رغبة في مجاراتها، كأننا على عجلة من أمرنا خائفين أن نفوت أشياء عند رف جفن أعيننا، فنتسارع ونتسابق خلف كل شيء خصنا كان أو لم يكن. كأننا نريد تطريز طرقنا أو بالأحرى نتمنى لو أن كل ما يلزمنا، حبذا لو كان بمقاييس نحن من نحددها. وفي النهاية، نرتطم بشدة قاع متاهة دون مخرج وننتهي بمعادلة رياضية لا حل لها.

1xbet casino siteleri bahis siteleri