تصفحني أولا! 

كُتِبَت هذه الكلمات مع بداية النزاعات في السودان، وها هي تنشر في منتصف شهر أيار الحالي…إنها التنبيهات! بينما أحاول إبقاء شرارة الإلهام التي صاحبتني موقدة، ومواصلة الكتابة تلقيت إشعاراً بأنه لم يتبقَّ لي سوى خمس دقائق من الوقت الذي ألزمت به نفسي للحصول على فترة راحة.

إشعارات هنا وأخرى هناك، بنغمات ورنات مختلفة، فمنها الهادئ والصاخب مع اهتزازات مصاحبة لكل تنبيه، إنه حقا لأمر مُستَنزِف التعامل مع هذا الكم من الإشعارات يوميا بل لحظياً.

إشعار من الواتساب تسألك إحداهن أن ترسل لها تسجيلاً صوتياً تشرح لها وصفة تحضير قناعِ وجهٍ منزلي، فتضطر أن تضعها على قائمة الانتظار حتى تتأكد من طريقة التحضير عن طريق حضور أحد فيديوهات اليوتيوب، وبينما أنت تبحث لوهلة وتجد مرادك، إذ بإعلان ممول لإحدى شركات إنتاج مواد التجميل، فتظهر سيدة من خلف الأضواء تُثني على منتج تجميلي وتعدد فضائله ومنافعه مع تسليط الضوء على بشرتها اللامعة التي تكاد تخلو من العيوب.

لا أظنها صدفة فالخوارزميات أضحت بمثابة منجم الذهب الذي لا ينضب بالنسبة لعدة منصات، لما تدره من أرباح خيالية بسبب حجم المعلومات والبيانات التي تجمعها عن مستخدمي هذه المنصات وروادها.

على أي حال فقد نقرت على “تخطي الإعلان” حتى لا أطيل على صديقتي انتظارها وبالتالي أمدها بالخلطة السحرية. وما إن مرت ثوان حتى تلقيت إشعارا من أكثر التطبيقات رشاقة والأخف ظلاً، إنه بث مباشر عبر منصة الإنستغرام لحضور جوائز إحدى المسابقات، سيتضح الفائز بإحدى كاميرات التصوير اليدوية ذات العدسة الرائعة مع ضبط بؤري تلقائي ممتاز.

ابتسمت تلقائيا وأنا أتخيل الجهاز بين يدي بعد أن تم الإعلان عن اسمي بكوني صاحبة الحظ الوافر حين قمت بعمل “منشن” لثلاثة من صديقاتي ومشاركة المنشور عبر خاصية الستوري. لم يوقظني من بحر خيالاتي إلّا اتصال إحدى صديقات الصف الابتدائي عبر تطبيق الماسنجر دون سابق إشعار.

لا! هذا ليس وقتك! تمنيت النقر على الزر الأحمر وإنهاء المكالمة بدل قطع صوت البث المباشر. أجبت وصمتت برهة لتبدأ هي بالحديث، فصلت هاتفي عن وضع السماعة الخارجية وذهبت لاستكمال البث المباشر عبر الأنستغرام. صوتان متداخلان؛ الماسنجر حيث زميلة مقاعد الدراسة و”الفلوكر” يعلن اسم الفائز، سمعت اسمي مشوشا لكنني لم أستطع تمييز مصدره، ناشدت صديقتي أن تنهي المكالمة وسأعيد الاتصال بها لاحقا.

ما إن أنهت المكالمة حتى اتضح صوت الشهير وهو يشكر متابعيه ويطلب منهم نشر حسابه على نطاق واسع. ثم ظهرت لي تِبَاعا القصص اليومية “ستوري الإنستغرام” وقد أحاطت الدائرة الحمراء الصور الشخصية للذين أتابعهم، لذا قررت أن أغتنم الفرصة وأشاهدها قبل مغادرة التطبيق، فأول “ستوري” كان لليلى حيث شاركت أحداث إحدى الندوات التي حضرتها حول “أهمية دور المرأة في صنع القرار السياسي”، والثاني لبسمة التي نشرت صورة لتحسن خطها وهي تحاول إتمام يومها الثامن من التَدرُّب على الكتابة بيدها اليسرى…والثالثة لإعلان ممّول ظهر فجأة بل تسلل بين قصص من أتابعهم، كيف ذلك وأنا لا أقوم بمتابعة هذا الحساب؟

حسنًا لا يهم، الأهم هو محتوى الإعلان. تُرى ما محتواه؟ نعم هو ذاك الذي يدور في خُلدك، إشهار لمجموعة من أقنعة الوجه. أصابني الذهول المتبلد، يا ويلتاه قد نسيت الرد على التسجيل الصوتي عبر الواتساب. لا أصدق فقد أرسلت التسجيل عند الساعة 20:14 مساء اليوم، وها هي الآن تمام العاشرة والنصف مساءً. عذرًا يا صديقتي فقد انشغلت بالتنبيهات.

وتلخيصًا لبعض الدراسات، فإن للإشعارات والتنبيهات على هواتفنا أضرارًا جسيمة ندمنها دون أن نشعر، وتكون سببًا في أمراض عضال ترتبط بالصحة النفسية. تشتيت الانتباه وعدم التركيز، والفصل التام عن الحياة الواقعية لكثرة الانشغال عن الحياة الطبيعية الملموسة، وعدم الاستفادة المُثلى من وسائل “التواصل” الاجتماعي لتداخل الأفكار والموضوعات، بالطبع التأثير السلبي لبطارية هاتفك المحمول المتعدد المهام يفقد إنجاز مهمة واحدة على الأقل.

فبالتأكيد نحن في يومنا العادي لا ننتظر أن نعرف الجديد من كل هذا الكم الهائل من التطبيقات والمنصات والبرامج. دمتم متواصلين، يقظين دون خمول.

1xbet casino siteleri bahis siteleri