الألم قاعدة

تخيل أن تستيقظ على صوت دقات داخلك كأنك ابتلعت منبها، لتجد نفسك محاطا بحشد من الأشخاص من فئات عمرية مختلفة وسط مخيم اللجوء، فتتذكر أن حالة الحرب ما زالت قائمة! يهتز رأسك ومستوى الوجدان داخله، تغادر المخيم ترمق كرسي انتظار على بعد بضعة أمتار، في كل منعطف تصادفه تكون كراسي الانتظار الموزعة في الشارع بمثابة سفارة وطنية، كل كرسي انتظار هو بيتك.

فالحياة في مدن الحرب غير الحياة! فليس بالشيء الهين أن تعيش الحرب كأنها نشاط يومي وواقع يجب التأقلم معه، أو تنام وتستيقظ على أصوات القذائف والطائرات وتألف مشاهد تهون فيها الأنفس والأموال أمام الدين أو العرض والأرض. فلماذا ترى الضفة الأخرى من العالم شيئا عاديا؟ ألأن تراثنا البشري كله مدين للألم ومستقى ومقتبس منه؟ منذ أول إنسان انتصبت قامته إلى آخر كهل اعوجت مفاصله، فيكتبه الكاتب، يرسمه الرسام ويعزفه العازف حتى أصبحنا نطرب به ونرقص عليه… نرقص فوق الخيبة وندندن التنهيدة، لماذا تطبعنا معه؟ هل لأنه النسيج الأصيل لمنظومتنا المعرفية والنفسية والتاريخية بأكملها ومن دونه لن نستشعر كل ما يقابله من مشاعر؟

فحين يصيب الإنسان بمكروه يقال له: “لا تقلق سوف يمر، كل شيء يمر، لا شيء يبقى.”

مقالات مرتبطة

برأيي تلك عبارات خاطئة، أما العبارات الصحيحة فهي: “لا تقلق، أنت سوف تمر!”
لأن المعاناة لا تمر، إنما نحن من يمر منها، الألم لا يمر، بل نحن الذين نتسلل خلسة منه ونطير بعيدا، إن الفقد لا يمر بل يبقى يطوقنا حتى نحرك أجنحتنا قليلا ونبدأ في التحليق من جديد.

لا تزرعوا في قلوب الناس أملا كاذبا، فالأشياء لا تمر مهما بلغت النصاب، والذي لا يحاول أن يتجاوزها لن تتجاوزه وسيبقى أسيرها طول العمر إن لم يحرك ساكنا. كالذين عاشوا وماتوا كأنهم لم يمروا يوما.. قضوا أعمارهم منتظرين أن يمر منهم ذلك الأسى! فلا هو مرّ منهم، ولا هم مرّوا منه.

ماذا لو تصفحنا الأرشيف الفني للبشرية والذي يضم كلا من الأغاني والأدب العالمي، كم أغنية كتبت ولحنت ثم عزفت لتوصل رسالة شخص أحب ثم كسر أو آخر هزمه مصيره…كم أغنية ستحذف من الأرشيف إذا ما حذفنا الألم، الخيانة وشعور الفرد بعدم الانتماء؟ وكم رواية وصلت للعالمية أو رشحت لعدة جوائز ثم ترجمت إلى مختلف اللغات واتضح أنها عبارة عن أوجاع وخيبات أو انكسارات عاطفية، نفسية أو وطنية.

الألم دوما يفوز في أي شيء يقتحمه، فإن شخصت الألم كمرض فنحن كلنا مرض بلا استثناء، إبداعنا وعلمنا وثقافتنا وفكرنا ابن المرض والخيبة ونتاج هذا المرض لاحت حضارتنا وذاعت ومضت. الألم في حياتنا ليس استثناء إنه القاعدة دوما.

1xbet casino siteleri bahis siteleri