حياتي التي أكرهها

حالي كحال أي شاب عربي في بداية العشرينيات، مهتم بالقضايا العربية ومتابع لمحطات الأخبار والصحف العالمية، ولكن في الواقع كل هذا تحول من مجرد متابعة إلى (كابوس) بكل معنى الكلمة.

فأنا أعيش في كوابيس يومية تسمى (سياسة)، فلا أترك أي حدث أو مناسبة سياسية على مواقع التواصل الاجتماعي إلا وأقحمت نفسي بداخلها، وربما أتناقش مع هذا الشاب الفرنسي أو الألماني أو الأمريكي لساعات متواصلة سعيًا في إيضاح وجهة نظري، تاركًا ورائي كل واجباتي الجامعية!




لا أستطيع أن أرى شخصًا ما يزيف الحقائق بأحاديث عنصرية، بينما أنا صامت لا أتكلم. أشعر وكأنه يوجد واجب ديني يلزمني بالرد وإلا أصبحت (شيطانًا أخرس)! فأجد نفسي بمنتهى العفوية أتدخل للرد عليه، فيمتد الحوار لساعات متواصلة مع هذا وذاك! مما جعل يومي ينحصر بين متابعة أهم الأخبار والأحداث في الوطن العربي والعالم في الصباح، وبين الجدال مع هذا وذاك في المساء.

المشكلة لا تكمن في عدم رغبتي في متابعة أو الاهتمام (بالسياسة) ولكنها تكمن في ما يصيبني من حزن واكتئاب شديد عقب متابعة الأخبار العربية والسياسة.

أتذكر جملة قالها لي شاب ياباني يعيش في بريطانيا «عندما رأيت هذا الطفل السوري (يقصد الطفل عمران) حزنت حزنًا شديدًا وكنت أتخيل صورته أثناء نومي لأسبوع كامل! في الحقيقة أنا لا أستطيع أن أتخيل إحساسكم أنتم العرب وما تشعرون به تجاه سوريا».

في الواقع كنت أريد أن أقول له إننا العرب نمتلك بعض الأنظمة العربية التي تدعم بشار الأسد وتجلس مع رئيس وزراء إسرائيل بشكل طبيعي، بل وأحدهم بكى بحرقة لوفاة بيريز!




أنا هذا الشاب العربي الذي يشاهد اتهامات الإرهاب وهي توجه صوبنا نحن العرب والإسلام، وأنا هذا الشاب المصري الذي شاهد مجزرة رابعة والنهضة وعلى جانب آخر رؤيتي لكذب وتدليس الإعلام المصري حول ما حدث، فأصبح المقتول هو المتهم والقاتل بريئًا! وأنا هذا الشاب الذي شاهدت خبر استشهاد أقرب أخ وصديق لي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد قنصه خلال تظاهرة ضد انقلاب السيسي.

أستيقظ في الصباح الباكر وأثناء تناول الفطور أفتح التلفاز لأرى عددًا من اليهود وهم يقتحمون باحات المسجد الأقصى وعلى جانب آخر مجموعة من عساكر الجيش الإسرائيلي يتطاولون بالضرب على مسنة في أزقة القدس، أغير المحطة سريعًا لأجد الجامعة العربية تستنكر ما يحدث في القدس بشدة، نعم بشدة!

يدور في ذهني عشرات الأسئلة التي ليس لها إجابة، هل أنا الوحيد الذي اُصاب باكتئاب مزمن ودافع للانتحار عند رؤيتي لأخي في سوريا أو فلسطين وهو يستنجد بإخوته العرب؟ أشعر وكأنه ينظر إلي في الشاشة ويقول لي «هيا قم أيها الجبان ودافع عني!»، أشعر بكم هائل من الخزي والعار عند رؤيتي لطفلة سورية تبكي أثناء القصف بينما أنا أتناول الإفطار بمنتهى البرود ومن بعدها أذهب للجامعة ثم أعود لأستريح على سريري!

عند مقابلتي ورؤيتي لسوري يعيش في مصر، أشعر بفرحة وكأني وجدت أخي من أبي وأمي، فأقابله بكل فرحة وسرور، بينما الناس من حولي يستغربون معاملتي معه! حاله حال صديقي الصومالي في الجامعة الذي جاء مصر فارًّا من بعض الأحداث المؤسفة في الصومال. عندما أتحدث معه عقب المحاضرة، أشعر بفرحة وكأني أريد احتضانه! لماذا أشعر دائمًا وكأني أقوم بشيء غريب؟! أنحن حقًا إخوة أم لا؟!

منذ عام مضى وبعد تحقيق حلمي بدخولي كلية الهندسة، علمت فيما بعد أنه يوجد أكثر من عشرين طالبًا بالكلية محكومًا عليهم بعشرات السنين في السجون بتهمة معارضة النظام وتهم أخرى زائفة! صور هؤلاء الشباب تكاد لا تفارق ذهني يومًا واحدًا، كيف هم الآن؟ متى سيخرجون؟ كم سيكون عمرهم حينها؟ هل يتعرضون للتعذيب؟ يا الله!

اعذروني بأن أستبدل جملة الطفل السوري الشهيرة «سأخبر الله بكل شيء» بـ « اللهم عجل بقيامتك!».




1xbet casino siteleri bahis siteleri