خلف قضبان التسويف

دائما ما كنا نسمع عبارة “لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد” تتردد على مسامعنا منذ الصغر، وكنا على دراية بمفهومها، والذي يقتضي إنجاز كل عمل في وقته دون مماطلة أو تأجيل إلى وقت لاحق. لكن ما كنا نجهله آنذاك هو فقه الأولويات وكيفية التعامل معها، ثم إنجاز أعمالنا وفقها. فهناك أمور تدخل في خانة الأولويات ولا يجب العزوف عن إنجازها أو تأجيلها بأي حجة كانت.

إن التسويف إذا صح تعريفه، هو فيروس من فيروسات العصر الحالي؛ حيث يقضي على كل تخطيط أو برنامج يومي لإنجاز المهام الواجبة؛ فيشرع في الانتشار شيئا فشيئا، قد لا نشعر به في البداية إلى أن يصبح الإنسان خلف قضبانه، حتى يصير عادة يومية ونمط حياة عند البعض مخلفا وراءه مزيدا من المشاكل وضغوطات الحياة اليومية. ولكي يهرب الإنسان من كمية تلك الضغوطات المتراكمة، يمني نفسه بآمال زائفة تتخللها الكثير من الأعذار التي تزرع في النفس تلك الطمأنينة المؤقتة بأن الغد سيكون أفضل وسيتم فيه إنجاز كل ما سلف.

ويمكن القول: إن هناك من التسويف ما يمكن اعتباره فعلا محمودا، كتأجيل الأمور الثانوية وغير العاجلة إلى وقت لاحق، لكن ما إن يتجاوز التسويف عتبة الأمور المهمة والتي لها أولوية الإنجاز حتى يصبح إدمان التسويف عادة تدق ناقوس الخطر على سيرورة مشاغلنا وأمور حياتنا.
ولعل من أهم الأمور التي تدفع بالإنسان إلى ممارسة أسلوب المماطلة بالدرجة الأولى، تلك الأعمال غير المرغوب فيها والشاقة نوعا ما، كمذاكرة الدروس لاجتياز الامتحانات أو الاستعداد لاجتياز مباريات ولوج معاهد أو جامعات معينة…كل هذه الأمور تندرج ضمن قائمة الأولويات، وبالتالي يضمن إنجازها التقدم بخطوات نحو النجاح، لكن النفس المتشبعة بالكسل والخمول تحول دون ذلك.
فتجد الإنسان في دوامة من الأسئلة عن الأسباب التي تدفعه إلى المماطلة والتسويف مع كل الأضرار المترتبة عنهما، وما الذي يدفعه إلى تأجيل بعض الأمور المهمة التي لها دور كبير في تقدمه وإحداث التغيير المراد في حياته.

في مقالي هذا، سأحاول التطرق إلى أربعة أسباب تعتبر أساسية في حلقة المماطلة وتبعياتها، ثم اقتراح بعض الخطوات التي قد تساعد على تجنب هذه العادة المذمومة.

أولا: الكسل المزمن، فعندما تكون ملزما بإنجاز بعض المهام تواجه نفسك دائما بكلام من قبيل “أنا الآن غير مستعد لإنجاز هذا العمل، إذا لِمَ لا أؤجله إلى وقت لاحق؟” فتقع في خطأ ترويض النفس على التسويف دون أن تشعر بذلك، حتى يصبح عادة تمارسها خاصة أمام كل الأمور الصعبة أو التي تتطلب مجهودا كبيرا.

ثانيا: الخوف من المجهول والقلق باستمرار من عدم توافر المهارات والموارد التي تمكن من إنجاز المهام الواجبة على أكمل وجه، فكل أمر مبهم لا نعرف عنه شيئا يخلق نوعا من التوتر إذا ما قررنا إنجازه، ويبقى حل هذه النقطة كامنا في البدء بالعمل على ذلك الأمر بكل بساطة، وبالإمكانيات الموجودة دون تضخيم، فما إن تبدأ بالتنفيذ حتى تلاحظ أن تلك المخاوف تتلاشى مع كل خطوة تنجز فيها تقدما.

ثالثا: الأعمال الكبيرة والصعبة، فبدل أن يقسمها إلى مهام صغيرة تنجز على مراحل، يجد أقرب عذر يلتمس به التأجيل هو أن تلك الأعمال تحتاج وقتا كبيرا وتحتاج جهدا وتركيزا أكبر، وبهذا يسعى إلى تلك المثالية في الإنجاز التى غالبا ما لا تتحقق جراء كثرة التأجيل.

ويجدر بالذكر أن من بين الأسباب التى تحتل قائمة التسويف تلك المتعلقة بانتظار الوقت المناسب والظرف المناسب وصفاء الذهن لإنجاز وإتقان مهمة ما، ولعل السبب الذي يدفع إلى التشبت بهذه الأعذار هو أن الشخص الذي يمارس التسويف لا يملك مهارات اتخاد القرار، فيفضل التأجيل حتى يتجنب أن يخطأ، وكل هذه الأمور تتوالى وتتعاقب دون أن تتحقق جميعها، فتبقى كل تلك الأعمال الرهينة بتحقق هذه الظروف معلقة.

كانت هذه بعض الأسباب التى تدفع بالإنسان إلى ممارسة عادة التسويف والمماطلة. وللتخلص منها وجب اتباع بعض الخطوات الهامة التي تساعد على كسر قضبان التسويف والانطلاق نحو ما تصبو إليه نفسك بخطوات ثابثة.

مقالات مرتبطة

أولا: الخلو بنفسك وإعادة هيكلة أفكارك ثم النظر في أكبر العقبات التي تحول بينك وبين تحقيق أهدافك، ومحاولة إيجاد حلول عملية بسيطة لاجتيازها، من المؤكد أن هذه العقبات تختلف من شخص لآخر، ذلك لأنها نابعة من الشخص نفسه.

ثانيا: التعود على إعداد قائمة بكل الأمور الواجب إنجازها ثم وضعها في مصفوفات حسب أهميتها وأولويتها، ووضع وقت محدد لإنهاء كل مهمة، وهكذا تمنح عقلك فرصة التخلص من كومة المهام المتراكمة دون توجيه سليم.

ثالثا: يجب أن تواجه نفسك وتسألها عن المشكلات التي تقع فيها حين تؤجل كل الأعمال المفروض إنجازها؟ ثم اكتب كل تلك المشكلات في قائمة وتمعن فيها جيدا. هل تستطيع فعلا أن تتحمل ضغط العيش وسطها بشكل روتيني؟ إجابتك عن هذا السؤال هي الحافز الذي سيدفع بك إلى التعجيل بوضع خطط واقعية للهروب من تلك الضغوطات، ولا تنس أن تمنح نفسك مكافأة عند الانتهاء من العمل على كل مهمة.

رابعا: البدء بالعمل على المهام فورا دون تردد، وأذكر في هذه النقطة طريقة مبتكرة اكتشفتها المحامية الأمريكية ميل روبنس والتى أصدرت بصددها كتابا بعنوان: The 5 Second Rule أو قاعدة الخمس ثوانٍ، تؤكد في كتابها هذا أنها اكتشفت بالصدفة حيلة من شأنها مساعدة أي إنسان يسعى إلى التغلب على مخاوفه وكسله عندما يهم باتخاذ أي قرار أو حتى عند القيام بالمهام اليومية الروتينية، وتتلخص فكرتها في أنه عندما يشعر الإنسان بالرغبة في القيام بنشاط ما يجب عليه أن يبدأ بالعد التنازلي من 5 4 3 2 1 ثم يتحرك فورا.

وشرحت بالتفصيل المصدر الذي مكنها من اكتشاف هذه الطريقة وقالت: إنها في إحدى الليالي قبل أن تخلد إلى النوم شاهدت في التلفاز عملية إطلاق صاروخ أجرتها وكالة ناسا؛ حيث بدأ العد التنازلي من 5 إلى 1 أعقبه انطلاق الصاروخ وما صاحبه من انفجار هائل، فترسخ المشهد في عقلها الباطن، وفي صباح اليوم التالي عندما دق جرس منبهها وجدت نفسها بشكل تلقائي تعد تنازليا 5 4 3 2 1 ثم نهضت من الفراش بنشاط لم تعتده من قبل.

فوجئت روبنس من القوة الهائلة التي منحها إياها هذا العد التنازلي ومن كم النشاط الذي اكتسبته فقط في 5 ثواني، مع أنها اعتادت لسنوات طوال الضغطَ على زر الغفوة أو الـ Snooze عندما يحين موعد استيقاظها فتواصل نومها، وهو ما كان يدخلها في حسابات المشاكل المتعلقة بواجباتها العملية والأسرية.

وخلال بحثها المطول الذي أجرته حول السر وراء فعالية قاعدة الخمس ثواني، وجدت أنه عندما يبدأ الإنسان العد التنازلي من 5 إلى 1 ويتحرك للإنجاز أو يقول ما يريده فإنه بذلك يقوم بتعطيل عمل الخدعة التي ينفذها العقل، والتي يظهر للإنسان من خلالها مخاوف وأسباب التردد والقلق مما هو مقبل على إنجازه، بهدف أن يبقى الإنسان في منطقة الراحة أو الـ comfort zone الخاصة به.

نجد أن بساطة القاعدة هي سر قوتها، فعلى الرغم من أنها لا تستغرق سوى 5 ثوان فقط ثم تبدأ في التحرك بعدها، لكنك ستجد نفسك تتصرف حينها وفقا لأهدافك وقيمك العليا في الحياة مثل الرغبة في النجاح والتقدم والإنجاز وغيرها، وليس بناء على مخاوفك وعيوب شخصيتك والمهارات التى لا تمتلكها.

وتذكر دائما أن إنجاز مهام عديدة جيدة خير من محاولة إنجاز مهمة واحدة مثالية.

وفي ختام هذا المقال أوصيكم ونفسي ألا تجعلوا من التسويف أسلوب حياة وكأن الوقت يداعبكم هامسا في أذنكم أن لا تقلقوا وأثقلوا ما شئتم فأنا هنا بانتظاركم، متناسين أننا نعيش في عصر السرعة، سرعة الوقت، وسرعة الإنجاز والتنفيذ، وسرعة اقتناص الفرص، فاحرصوا على ألا يفوتكم قطار الإنجاز، وألا تتركوا مجالا للمماطالة وأخواتها في حياتكم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri