عن الحب

لعل الموضوع الذي يستحوذ على عقول الناس منذ وصولهم إلى سن البلوغ إلى أن تبدأ قواهم تضعف ووجوههم تشحب هو الحب. الحب حير العقلاء وأبكى الأقوياء وأفقر الأثرياء وأغنى الفقراء وحول أشقى الأشقياء إلى أسعد السعداء … أو العكس. كتب عن الحب كبار الشعراء والأدباء وعبر عنه الفنانون والمتكلمون. لم يستطع أحد أن يعطي له تعريفا ولم يتمكن أحد من أن يجد له تصنيفا. نفاه من لم يعرف طعمه، وأثبته من ذاق حلاوته، وتبرأ منه من جرب مرارته.

الحب وما أدراك ما الحب، الورود، القلوب، الشوكولاتة، الرسائل، الغزل، الهمسات، اللمسات، السهرات، أجمل الضحكات، أحلام اليقظة، الجنون، الآمال … ثم الغياب، الإنتظار، التوجس، التجسس، الترقب، الآلام، الدموع، الذكريات، الحسرات والمتمنيات … هكذا صورته السينما، وهكذا غنته أم كلثوم وَعَبد الحليم وأسمهان وفيروز وكاظم … هكذا تصوره العالم … وهكذا يعيشه العالم منذ أن تفنن الإعلام بصياغة المفاهيم وإضفاء المعاني على المصطلحات … فهل هذا هو الحب فعلا ؟

Love-Couple-on-Rainy-Night-Road-Painting


مقالات مرتبطة

كم سمعنا من قصص حب ظننا بأنها مثالية انتهت بسبب تفاهات، وكم رأينا من عشاق سحروا أعين الناس افترقوا شهورا بعد تفريغ المكبوتات … حب القرن الواحد والعشرين الذي تحكمه الصورة والمصالح وتقمص أدوار الأفلام والمسلسلات … حب أموالهم مع حب جمالهن تحت قالب هزلي مسرحي لونه أحمر تحركه الغدد والأوهام.

فما هو الحب ؟ … لنسأل عنه عنه من ضحى من أجل المحبوب رغم فقره ومرضه وقبح خلقته … لنسأل من حافظ عليه رغم المسافات والتناقضات والصعاب والآفات … الحب لا شرط فيه ولا اشتراط … الحب هو عندما يتبسم العجوز في وجه زوجته العجوزة مقبلا يدها بإخلاص … يكون الحب أو لا يكون … اسألوا أجدادكم الأتقياء الأنقياء الأوفياء الذين لم يتلوثوا بالأفكار المادية وبالمؤثرات الإعلامية الخارجية واتركوا عنكم الخزعبلات الإستهلاكية الرأسمالية التي تصور الحب في الجسور والحدائق والمطاعم وغرف النوم وتربطه بشروط الوسامة والغنى والكلام المعسول.

old-couple-bench

 

اختلطت مفاهيم الحب بأحاسيس العشق والتعلق … اختلط على الناس الحب بالحالة التي يكون عليها الإنسان حينما  يفرز دماغه هورموني السيروتونين والدوبامين في أول أشهر التعارف … هي نفس الهرمونات التي تفرز عندما تنظر إلى منظر خلاب أو حينما تسمع خبر نجاحك في امتحان مصيري أو حينما تضم والديك أو أولادك إلى صدرك بعد طول فراق … هورموني السعادة … تلك السعادة الغامرة التي يحس بها المحبان عندما يسمع كل منهما صوت الآخر وينظر كل منهما إلى الآخر ويتعلق كل منهما بالآخر … هذه السعادة الغامرة التي تأخذهما فوق السحاب وخارج الزمان والمكان بل تأخذهما إلى عالمهما الخاص الذي رسماه بإحكام وسطرا له القوانين والطقوس والعادات وأصبح المحبوب كاملا خاليا من الشوائب والنواقص في عين حبيبه وأصبح للحياة معنى ومغزى وغاية في قلوبهم … تستمر هذه الفترة زمنا …  لكن سرعان ما ينقلب سحر الهرمونات والأحاسيس الجياشة تدريجيا عليهما، فتتسرب الشكوك إلى القلوب وتظهر العيوب للعيان … تمضي شهور العسل لتبدأ سنوات البصل والرتابة والملل … تذهب العواصف فيرجع الهدوء … ليجد الرجل نفسه أمام إمرأةوالمرأة أمام رجل … فيبدأ النزال بين الأنوثة والذكورة … بين مكونات المرأة وصفات الرجل … عندها يوضع الحب على المحك … عندما تتحول حالة العشق العابرة إلى حب حقيقي أو إلى أشياء أخرى … عندها تشخص الحالة … عندها يبنى الحب تدريجيا كما انقضى العشق تدريجيا، أو يموت الحب وهو في بطن العشق … لأن دوام حال العشق من المحال … الحب هو الذي يدوم … ولدوامه أقوال وأفعال … ينجح فيه من أحب فعلاويفشل فيه من لم يحب أصلا 

1xbet casino siteleri bahis siteleri