في رحم المعاناة نولد و نموت

هناك ليال خاصة لا مؤنس فيه ولا جليس لي غيره .. محمود درويش على ناصية الأريكة يمد رجليه وبكأس من النبيذ يجالسني وهو ينظر هائما في أقصى الصالون كأنه يرى ما وراء الأشياء .. يحدتني عن وطن غريب وغربة أوطان تستوطن دواخلنا وتزعزع التباث الذي نحاول إصطناعه ونحن نداري وجهنا عن مرآة الحقيقة .. لا يحدثني .. قابع هناك في عالمه وتلك النظرة بألف كلمة .. كنت منفية في نفسي .. جامعة الرحال ولا أدري إلى أين وكلما مر أحدهم ليلقي السلام وضعت الحقيبة ونسيت أني على سفر بحثا عن أنا ضاعت وراء المظاهر والأقنعة التي كانوا يواجهونني بها كل يوم .. تعايشت مع فكرة أن البعض منا لا يستطيع أن يواجه نفسه فكيف له أن يواجه الآخرين بحقيقته لكن لم نلبس وجوها مبهرجة ليست لنا ونحن نار لا تخمد بل تزداد إتقادا كلما تمادينا أكثر ..
في صراعنا وسباقنا في الحياة ومع الحياة لأجل الحياة ننسى أرواحنا .. ننسى طفلا صغيرا لم يدرك بعد أنه اليوم كبر وحسب عرفهم يجب أن يتحمل المسؤولية ويصبح أكثر جدية .. أقصد بالجدية أكثر بؤسا وأن يلبس قناع عابسا باليوم كي يظهر لهم أن الأعباء كثيرة وأن الحياة قاسية ..




بل قاسية هي مواجهة النفس .. نهرب منها ونركض ظنا أننا إبتعدنا وهي القابعة بداخلنا .. مشوهة دواخلنا يوم المواجهة الكبيرة حين لا قاض ولا محام ولا شهود .. أنت قضيتك وأنت الوطن الضائع .. أنت الجراح الغائرة التي لازالت تنزف كلما هب نسيم الحنين والذكرى لطرق جمعتك بالأحبة ولم يظل غير خطاك المرتجفة على إسفلت مررت به يوما تطير فرحا وها أنت اليوم تعبره حبلا من النار يحرقك في خطوة لتصرخ بك الأمكنة .. ما لك وحيدا .. لقد كنت طوال عمري وحيدا .. أنا فقط صدقت يوما أوهامهم وهاأنا اليوم أتلظى بلهيبها .. كفاك يا أرض طغيانا فبالقلب نذوبا وحدي أتلمسها ليلا حين آوي مني إلي كي أضمني وأغفى لعل الغد أفضل .. وما جاءني غد منذ زمن .. أنت الخيبات التي توالت عليك ولم تمهلك فرصة التأمل لتستيقظ شخصا آخر .. شخص لا يشبهك .. هو فقط يسكن جسدا ماعاد لك ..

مقالات مرتبطة

بعيدا عن ذكرتي وذكرياتي .. أجلس على حافة النسيان أتأرجح بين السقوط الحر في دوامة المجهول أو التركيز عل عبور حبل العصيان بأفكار ومشاعر لا تعرف غير التمرد والجنون الامشروط ..


بعيدا وقريبا مني .. أفتش في داخلي بسرعة وعشوائية وبجنون من أضاعت طفلها .. أنفض الغبار عن أنا الماضية .. أريد أن أحدتها كما كنا نفعل دائما .. ترى هل لازالت تشتاقني أم أنها رحلت لتتركني وحيدة أتخبط بين القبول والرفض .. لكن ترى ما الجواب الباحثة له عن إجابة ؟ إنها حالة هذيان عاطفية ترمي بي إلى شواطئ التردد كي يتلقفني الموج ويتبأ مني البحر فيقدفني إلى حيث صخور الحقيقة ويابسة الحياة التي تصفعنا صفعة العدم المنتشي لضعفنا واستسلامنا لجور القدر ..




بعيدا عن أحلام الروايات وكوابيس ما يدور حولي .. حملت الرحال وسافرت لنهل النيل لأغتسل بماء من حب وأمان فصرخت لوجعك يا نيل .. ماعاد هنال من ماء بلا دماء .. فهربت من هناك لبلاد حيث لا أسماء ولا قوانين للبشر .. فقط أجساد تركض وراءها همومها .. فلا ينتهي سباقها إلى أن تتجرد من كل شيء وتجلس بعيدا كي تتأمل الفراغ الجميل الذي يبعث طمأنينة الأمل والتخلص من أعباء وهواجس الماضي ..
بعيدا منهم وقريبا من سجيتي .. سافرت إلى أقصى رقعة في عالم الصمت .. تقابلنا في تلك الغرفة التي لا زاويه لها .. وجلسنا زمنا من البوح والإعترافات .. لنتسامع وننسى ..
فجأة همس درويش : إنتظرها .. هي الحياة إنتظرها فهي آتية لا محال إليك لكن إنزع عنك أقنعتك وواجهها كي تتعرف عليك وسط أشباح البشر المتشابهة .. كن أنت بكل خطاياك وأوجاعك ولا تنس أن في خضم المعاناة نولد ونموت ..



1xbet casino siteleri bahis siteleri