قراءة في رواية العسكري الأسود ليوسف إدريس

تتميز هذه الرواية، والتي تعتبر من أفضل الروايات القصيرة بأحداثها التي تتابع بوتيرةٍ سريعة منذ الصفحة الأولى وحتى نهايتها. فهي تتحدث عن شوقي الطالب بكلية الطب، الناشط الثوري في الأربعينيات من القرن العشرين، الذي يتم القبض عليه ويتم تعذيبه على يد شخصٍ يُعرف في الرواية بالعسكري الأسود.

ليخرج شوقي من السجن بعدها وكأنه شخصٌ مختلفٌ تماماً، حتى أن أصدقاءه لم يتمكنوا من التعرف عليه. في حين تغير العسكري الأسود أيضاً بعد انتهاء سنوات الخدمة الخاصة به، ليتحول إلى شخصٍ مجنونٍ بالكامل؛ وذلك لأن أسلوبه في التعذيب قد أثر عليه بشكل كامل، فقد كان يبتكر وسائل جديدة دائمًا من أجل تعذيب السجناء وإهانتهم.

ملخص الرواية

العسكري الأسود رواية للكاتب الدكتور يوسف إدريس (1927-1991)؛ انتشرت هذه الرواية وذاع صيتها، وتُرجمت للعديد من لغات العالم، وهي من أسباب شهرة الأديب والروائي يوسف إدريس. تتناول الرواية القمع السياسي وما ينتج عنه من عنف وظلم مجتمعي، وتسلط الضوء بصورة غير مباشرة على فترة حكم جمال عبد الناصر.

تدور أحداث الرواية حول شوقي الطالب بكلية الطب، زميل البطل، الناشط الثوري في الأربعينيات من القرن العشرين، الذي يتم القبض عليه ليخرج من المعتقل إنسانا آخر. انتشرت في هذه الفترة حكايات من كان يُعذب الشباب المعتقلين في السجن.

بينما يجلس البطل مع صديقه شوقي في المستشفى يأتي إليهم ملف لشُرطي يطلب منهم توقيع كشف القومسيون الطبي عليه. يحكي التمرجي عبد الله حكاية هذا الشرطي، عباس محمود الزنفلي، الذي انتشرت سمعته بين الناس.

مقالات مرتبطة

أنا وأبي

الضياع ..

يصطحب شوقي البطل والتمرجي عبد الله معه لتوقيع القومسيون الطبي على الزنفلي الذي كان عسكرياً في القسم الطبي بالجيش، وحين دخل البوليس جعلوه مراسلاً للمكتب الطبي ولكنهم وجدوه أكثر نشاط وذكاء من التومرجي الأصلي. يقابلون زوجته، ويدخلون بعد معاناة حجرته، فيجدونه يعوي كالذئاب والكلاب من الألم وينهش لحم جسده، يتشفى شوقي فيمن عذبه يوما وأهان إنسانيته.

مقتطفات من الرواية

حين أتحدَّث عن السِّر الذي كان يُحيِّرني في «شوقي»، ولا أعرف له سببًا أو تفسيرًا، لا أقصد ابتسامتَه المشهورةَ عنه، التي كان لا يبتسم ليُعبِّر بها عن شيء بقدْر ما يستعملها كقناع داخلي يخرجه من فمه حين يُريد؛ ليغطِّيَ به ملامِحَه، ويخفِيَ وجهَه الحقيقي عن الناس… تفتَّقتْ عنَّا الحرب العالمية الثانية لنجد أنفسَنا هكذا زملاء في كلية أو جامعة واحدة… حدثَ ذلك الحادثُ السياسي الذي هزَّ البلاد كلَّها، وقُبِض على «شوقي»، وأُدخِل السجن تمهيدًا لمحاكمته… بعد شهور طويلة من انقطاع الصِّلة بينَنا لم أرَهُ إلَّا يوم الامتحان، فوجئتُ به يدخل علينا الخيمة ومعه جمعٌ من زملائه مكبَّلين بالحديد، ومعهم جيش من الحُرَّاس ببنادق وكونستبلات، يومها عبْرَ اللجنة وأوراق الأسئلة تبادَلْنا ابتساماتٍ راعَيْنا أن تكون خَفِيَّة، وكأنَّ عيونًا غير مرئية ستلحظها وتسجِّلها، ألم أقلْ إننا كنا في فترة إرهاب؟! وماذا يفعل الإرهاب أكثر من أن ينجح في جعل كلٍّ منَّا يتولَّى إرهاب نفسِه بنفسِه، فيقوم هو بإسكاتها وإخضاعها للأمر الواقع الرهيب… عرَفتُ حين ظهرتِ النتيجة أنَّ «شوقي» قد نجح، كيف ذاكَرَ وعلوم الطب تحتاج إلى الخبرة العملية والمران؟ … نجح، ومع هذا ظلَّ مسجونًا لا يُفرَج عنه، ولا يُقدَّم للمحاكمة، ولا يُواجَه بتهمة، أشياء لا تحدث إلَّا في عصورٍ مُظلِمة، أو في بلادٍ، رغم العالم المضيء، لا تزال تحيا في تلك العصور، لم يُفرَج عنه إلَّا بعد انقضاء فترة طويلة، ولم أعرف بالخبر إلَّا حين كنتُ مارًّا بالقسم الذي أعمل به في المستشفى الكبير بعد تخرُّجي، فلمَحْتُه جالسًا في غرفة الحكيمة… عرَفتُ أنه قد عُيِّن في نفس المستشفى.

تقارير وملاحظات بعض الرواد الآخرين

كتب نيكوس كازانتزاكيس الكاتب والروائي اليوناني ذات مرة: “ربما كانت الكتابة لعبا في عصور أخرى، أيام التوازن والانسجام، لكنها اليوم مهمة جسيمة، لم يعد الغرض منها تسلية العقول بالقصص الخرافية أو مساعدة هذه العقول على النسيان، بل الغرض منها تحقيق حالة من التوحد بين جميع القوى الوضاءة التي لا تزال قادرة على الحياة حتى أيامنا الانتقالية هذه، والغرض، أيضا، تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده، لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه”.

وربما كانت تلك “المهمة الجسيمة” هي التي حملها على عاتقه واحد من أكثر المواهب حِدّة في تاريخ مصر الحديث، الطبيب والأديب المصري الملقب بـ “أمير القصة القصيرة” يوسف أدريس (1927-1991).

حاول إدريس عبر مشواره الفني الطويل إلقاء الضوء على قضايا الإنسان العربي، وخاصة المصري، عبر الكتابة الأدبية والصحافية، فعُوقب بالسجن أثناء الحكم الملكي ثم في عهد عبد الناصر عام 1954، غير أنه استمر في الكتابة، وفي عدد شهر يونيو/حزيران سنة 1961 من مجلة “الكاتب” المصرية، ظهرت روايته “العسكري الأسود” كنوع من الاحتجاج الأدبي على أوضاع القمع السياسي وأفعال العنف الوحشية والتعذيب المميت في السجون الناصرية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri