كأني بها لم تمت

كانت تروح وحيدة وتغدو غريبة، تسترسل في الحديث تارة فتخالها اجتماعية وتَكْفَهِرُّ تارة أخرى فتحسبها منطوية، وهي مع ذلك لا تبالي بشيء، لا تحقد ولا تحسد ولا تَحمل في نفسها ولو شبرَ كبرٍ فضلا عن بغضٍ لأحد، بل كانت كريمة وعفيفة وتملأ العيون من بشاشتها.

نظرتها للحياة ومتطلباتها وللناس في رحالهم وترحالهم نظرة بعيدة وفريدة، فلذا لا تكثر من مزاولة بعض التصرفات التي ليس لها معنى وإن كانت عند الناس أساسا للحياة أو قل مما ليس منه بد، وغالبا ما تكون بالمرصاد فقد عاينت في الناس ما عناه الشاعر لما قال؛ وإنك لو رأيت أبا عمير ** ملأت يديك من غدر وختر

مقالات مرتبطة

فرأت من الناس ما تعافه نفس كل ذي نهية ويكرهه قلب كل ذي لبٍ؛ أي أنها تعلم غدرهم وتشعر بنفاقهم ومكرهم وتسمع وشاوشهم وراء ظهرها ورغم ذلك فما كانت تقابل الشر بالشر بل تبتسم في وجوههم لتوحي إليهم بأنها لا تعلم من مكرهم شيئاً، نعم.. كانت تفضل ألا تشغل عقلها بالتفاصيل السلبية التي قد تُلهي قلبها عن جمال واقعها فكانت يداها مبسوطتان كيدي الحاتم، وتسعى لإسعاد قلوب من حولها حتى لو لم تكن تعرفهم، كانت تعطي من القليل عندها رغم أنهم لا يعطون من الكثير المتاح لديهم. كانت تحب بشدة، كانت صادقة في تعلقها وتضحياتها، ولا تنتظر المقابل، غير السلام الداخلي والاطمئنان النفسي، كانت تسمع هموم الآخرين وتخفف عنهم وهي تتألم ولا تجد من يخفف عنها، كانت تشفي جروحهم.

كانت تقية، نقية القلب، طيبة الروح، رزينة التصرف، حكيمة التفكير، موهوبة، متميزة، مبدعة، طموحة..كانت كلماتها تتسرب إلى قلوب أحبابها، كما يتسرب الحب إلى السويداء…كان جزء منها يتألم والجزء الآخر مبتسم، ومنشغل بإسعادهم حتى إنها كلما جاءت للنوم تناجي الله بأن يسعدهم طالما بقوا على قيد الحياة ثم انتقلت إلى رحاب ربها فجأة ومات معها كل هذا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri