قراءة في كتاب تأملات في مسرح الدمى

وقفة مع مضمون الكتاب وأفكاره:

الدمية في المجتمعات القديمة ومع الإنسان القديم كانت لها أدوار تعبدينه، يروم من خلالها الفرد التقرب والربط بينه وبين عالمه المقدس الميتافيزيقي الغيبي، ولكن هذه الأدوار لحقتها تغيرات على مستوى الشكل والمضمون، خاصة في أوروبا وآسيا، بحيث أدنت بها من موقعها العاجي إلى أدوار مجتمعية شعبية تلامس هموم المجتمع من نكسات ونكبات، وأفراحِ من إنشراحات وإنفراجات بعيداً عن أية اعتبارات دينية.

إن الدمية وإن بدت قطعاً جامدة إلا أنها تحمل مشاعر الإنسان؛ تفرحه وتسعده تارة وتحزنه وتغضبه تارة أخرى، من خلال الأدوار والطريقة التي يتم التلاعب بها أمام الجمهور في مسارح الدمى المختلفة، وبالتالي فإن الدمى ليست قطعاً ميتة متحجرة -كما تبدوا للوهلة الأولى- ولكنها روح ووجدان يتواصل مع الآخر إلى الآخر.

وقفت الكاتبة من خلال توطئة الكتاب على إشكالية خطيرة، تتمثل في إفراغ البرامج والعروض الترفيهية الموجهة للطفل والطفولة من أي خطابات ذات معنى ومغزى هادف حين تستخدم الدمى في هذه الأنشطة، ذلك أن موضوع هذه المسارح لا يلامس واقع الطفل المغربي وبعيد عن مستوى فهمه وإدراكه الخاص. وبالتالي أصبح مسرح الدمى في كثير من الأحيان لا يؤدي وظيفته التربوية والترفيهية على أكمل وجه، ولعل هذا الكتاب فرصه للتوجيه والتأطير العلمي المنظم لمسرح الدمى، وكذا فرصة لإزاحة نظرة الدونية والتبخيس والاستصغار لهذه العروض.

إن مسرح الدمى بالمغرب يعاني مخاضاً عسيراً مع استمرار التجاهل والتهميش الذي يطاله، من خلال عدم التوثيق وضياع التصميمات الإبداعية بعد نهاية العروض المسرحية، مما يعني غياب ذاكرة لمسرح الدمى تحفظ هذه الرموز التعبيرية وتحفظ جهود محركي الدمى وإبداعاتهم، على غرار دول تهتم بشكل كبير بهذه الأعمال الإبداعية والفنية، في مقابل غياب معارض وطنية تحفظ هذه الجهود وتعترف لها بالمكانة والدور الكبير في الإسعاد والإمتاع والتأثير في الناشئة دون ما مساس برموز الدولة ورجالات الدين والسياسة.. أي أنها وظيفة تربوية صرفة بعيدة عن التمثيل والمساس بشخوص طبيعيين أو اعتباريين.

لقد أعلنت الكاتبة بشكل صريح وقوي عن رغبتها في إنزال مسرح الدمى المنزلة العظيمة التي يستحقها لما له من أثر وأهمية بالغة استمرت عبر التاريخ القديم للمغرب في الساحات والأسواق الشعبية، بدل ما يعانيه اليوم من تقزيم واستصغار لقيمته المعنوية والشاعرية.

مقدمة

لقد أبرزت الكاتبة في مطلع مؤلفها ضرورة الانفتاح في العملية التربوية الموجهة للطفل على انساق جديدة تترك له الفرصة للتعبير عن دواخله المعرفية والسلوكية والانفعالية، بدل الانغلاق على نمط التنقيل الأحادي الجانب -من معلم إلى متعلم- لأن في هذا الانفتاح مجالاً واسعاً لفهم الطفل بشكل جيد عوض أن نجعل منه نسخة طبق الأصل لمعلمه، وعليه لابد من إعطائه فرصة اللعب التمثيلي ليعيش طفولته ويكتشف ذاته ومهاراته وقدراته ويقوي ميكانيزماته الداخلية للتصدي ومواجهة الحياة بكل عزم وإصرار، بل يمكنه كذلك أن يكتشف جوانب العجز والقصور، وبالتالي يسهل تطويرها وتنميتها بمساعده باقي الأنساق الأخرى الفاعلة في العملية التربوية.

في هذا السياق وقفت الكاتبة عند أطروحة مارك توين Mark Twin الذي قال:  “إن مسرح الطفل هو أعظم الاختراعات في القرن العشرين وهو أقوى معلم للأخلاق وخير دافع إلى السلوك السوي اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لان دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو في المنزل بطريقة مملة بل بالحركة المتطورة التي تبعث الحماسة.[1]

إن الأستاذة خديجة الشرقاوي الخطّابي تحاول أن تعيد بناء صرح نظري معمق لمسرح الدمى يبدأ بالبحث في التعريفات الممكنة للدمية ولمسرح الدمى الترفيهي بعيداً عن المقاربات الكلاسيكية المتناقضة، هذا مع ربط الموضوع بسياق مكاني جغرافي وهو المغرب بحثاً عن الخصوصية الثقافية والمعرفية والمجتمعية، دون أن تغفل عن طرح سؤال مهم يتعلق بإمكانية استمرار هذا الفن في الوقت الراهن الذي تهيمن فيه اللعبة الإلكترونية ؟

شذرات عن المسرح: المسرح المسار والامتداد

افتتحت الكاتبة هذا المتن ببسط مجموعة من  التعاريف التي تطلق على المسرح، والتي بينت سماته الأدبية والفنية ورموزه المادية والمعمارية التي تهدف ربط الإنسان المتفرج برغباته ولذاته من خلال المادة التي يقدمها المسرح العام ومسرح الدمى تحديداً. هذا مع الإشارة إلى أن المسرح ليس واحداً أو وحيداً بل هو مسرح متعدد مختلف يبحث فيه الفرد عن ذاته ووجوده فيه.

لقد قطع هذا الفن مساراً طويلاً ومتميزاً بحيث ظهرت إرهاصاته الأولى في مصر واليونان القديمتين في تعبير يشارك فيه كل المجتمع بمختلف طبقاته، سواء لأهداف ومرامي تعبدية طقوسية معينة أو لاحتفالات شعبية موسمية، هذا وأثرت هذه الحضارات في المسرح الروماني الذي انفتح أكثر على المرح والترفيه والاستمتاع منه إلى الدين والتعبد وطقوس الآلهة، وبالتالي اقتربت المسرحيات من واقع الناس المعاش وهمومهم في ثورة صريحة على الطابع الديني للدراما السائدة حينها.

أما في العالم العربي فقد استشكل على الباحثين الحسم في وجود مسرح بالمعايير والمواصفات التي تميز بها المسرح الروماني واليوناني من عدمه، وذلك يبدو جلياً من خلال تيارين اثنين:

  1. تيار يقول بعدم وجود المسرح بالعالم العربي الإسلامي قبل ظهور الترجمة؛
  2. تيار يقول بأن المسرح كان قبل ذلك، مؤكدين على موقفهم بما عرفه سوق عكاظ من تجمهرت شاع فيها الإلقاء والإنشاد ووجود عناصر مسرحية معينة.

لكن المؤكد أنه في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين كان للترجمة دور كبير في إغناء وإحياء المسرح العربي وإعطائه صبغة حداثية تبرز فيها معالم وشروط المسرح. الترجمة التي وُظفت في نقل النصوص الأدبية والمسرحية من لغتها الأولى -الفرنسية نموذجاً- إلى اللغة العربية ليعاد إحياء وتجسيد النص في أعمال مسرحية متنوعة.

أما في المغرب وخلال بداية القرن العشرين وانفتاح المغرب على الأفق الأوروبي، خاصة على فرنسا وأسبانيا بحكم الارتباط التاريخي الذي جمع المغرب بهذه الدول بفعل سياسة الحماية الفرنسية والسيطرة الأسبانية على شمال وجنوب المغرب، هذه المعطيات أثرت في خصوصية المسرح المغربي وجعلته يتناول مواضيع الحب والجمال والحرية، إلى جانب جهود الباحثين في ترجمة بعض الأعمال الأدبية الأوروبية ونقلها إلى العربية. وعلى إثر ذلك كان الجوق المغربي أول فرقة مسرحية تتأسس في المغرب حينها، والتي لا تجد كغيرها من الفرق والعروض المسرحية فضاءات مخصصة للعروض الفنية غير الحلقة التي يمكن اعتبارها مسرحاً مفتوحاً أمام الجميع، مثل ساحة جامع الفناء بمراكش؛ وساحة الهديم بمكناس؛ وعلى ضفتي وادي فاس.

أما البداية الفعلية للمسرح فقد كانت انطلاقاً من دخول المسرح بمفهومه الإيطالي والفرنسي إلى سوق الفرجة، وكان لهذا المسرح تأثير عميق على مجموعة من الشباب المغاربة الذين اتخذوه سلاحاً لمقاومة الاحتلال الأجنبي.[2]

مسرح الطفل:

حاولت الباحثة في هذا المحور التخصيص في صنوف المسرح عبر تطرقها إلى مسرح الطفل تحديداً وتبيان حدوده مع المسرح العام وتبيان معاييره ومتطلباته وأسس بنائه واختيار مواضيعه، مبينة أن الفرق بين مسرح الطفل والمسرح العام يتجلى في كون هذا الأخير يقوم فيه الممثل البالغ بالتعبير عن أحاسيس ومشاعر غيره -أي الشخصية التي يمثلها ويشخصها- وهو يدرك أنه يمثل، أما في مسرح الطفل فالطفل يقوم بالتعبير عن نفسه وهو يدرك أنه يمثل. مما يعني أن مسرح الطفل تعبيرٌ عن ذات الطفل وتطلعاته، تعبيرٌ صريحٌ عن الذات. وقد نشأ مسرح الطفل متأخراً في العالم العربي بالمقارنة مع دول أخرى من العالم. وفي المغرب ظهر مسرح الطفل إبان استيلاء الأسبان على مدينة تطوان، حيث مثلت إحدى الفرق مسرحية موجهة للطفل على خشبة مسرح إيزابيل الثانية بتطوان. غير أن مسرح الطفل عامة لم يرقى في المغرب إلى مستوى يليق بالطفل والطفولة، فقد افتقد إلى الابتكار والإبداع وركز على موضوعات مبتذلة هزيلة لا تحمل معنى أو قيمة، لتنفجر على وقع هذا المستوى المتدني مسلسلات الإصلاح والنهوض بفن مسرح الدمى، والتي تجلت في اهتمام وزارة الشباب والرياضة بصيغتها القديمة بتأسيس أول مهرجان لمسرح الطفل سنة1962 ، هذا مع الاهتمام الأكاديمي الذي أولاه المعهد الملكي لتكوين الأطر بهذا الجانب؛ بحيث حرص على تقديم ووضع مواد أساسية لدراسة الأنشطة الفنية التعبيرية ضمن مسالك التنشيط للسوسيوثقافي وتربية الطفولة الصغرى وحماية الطفولة، والتي تشرف على تأطيرها الأستاذة المتمرسة خديجة الشرقاوي الخطّابي

لقد ألقت الكاتبة إطلالة على صنف آخر أو فرع من فروع مسرح الطفل ألا وهو المسرح المشخص الذي يكون موجهاً تحديداً إلى الأطفال، وهو ينقسم إلى العروض التمثيلية التي يقوم بها الأطفال أنفسهم أمام جمهور من ذات الفئة، وعروض مسرحية يمثل فيها الراشدون للأطفال الصغار، وأخرى يشارك الراشد الطفل في أداء الأدوار. كل هذه الصنوف تهدف إلى تنمية الجوانب التعليمية والتثقيفية والتربوية للطفل من خلال مهارات التشخيص والأعمال الدرامية التي تحضر فيها الحركة والحوار والصمت والموسيقى والإضاءة وغيرها من العناصر التي تدخل ضمن توليفة عامة لبناء العمل الدرامي للطفل.

لم تغفل الباحثة الحديث عن المسرح التربوي الذي يتغَيَّا إكساب الطفل نضجاً إدراكياً ومعرفياً ومعياراً جمالياً بحكم وظيفته التربوية السامية والإشعاعية، وهو (المسرح التربوي) يحاول الوصول إلى أبعاد عميقة في ذات الطفل فيغذي ما لديه من ميول لا تغذيها أعماله المدرسية وحدها أو أنها تعجز عن ذلك. فالمسرح التربوي دعامة أساسية لتغذيه الروح والعقل أملاً في بناء رأس مال بشري متصالح مع ذاته ومع الآخرين ومسؤولاً ومساهماً في صناعة الحياة الفردية والجماعية.

إن لمسرح الطفل وظائف تربوية وعلاجية، إذ إنه يعمل على توجيه وتأطير الطفل قبل وأثناء وبعد أداء العمل المسرحي، ومنه أشارت الكاتبة إلى تجربة بيتر سلاد Peter Slade في العلاج بالعمل المسرحي أو ما أسماه “العلاج بالدراما” فغالباً ما تظهر بعض الصعوبات لدى الطفل يحملها من وسطه الأسري أو بيئته المدرسية مع جماعات الأقران، وبالتالي يمكن الاستعانة بالمسرح كأداة للانعتاق والانفراج من هذه الصعوبات والانفتاح على عالم طفولي أكثر استقراراً وأماناً.

هذه الأدوار العلاجية ليست وليدة الفراغ ولكن لها أسس علمية تمتح من نظريات “السوسيو دراما” و”السيكو دراما” التي يعد ليفي مورينيو Moreno وجاكوب Jacob من المؤسسين لها، على اِعتبار أن السيكو دراما مقاربة تهتم بفهم وحل المشكلات التي يعاني منها الإنسان عموماً والطفل على وجه الخصوص، من خلال أنها تهيئ المناخ لكي يعبر الإنسان عن أحاسيسه بشكل حر وتلقائي ومن خلال تشخيص أدوار درامية يبوح فيها بكل مشاكله وينفس بها عن انفعالاته حتى يتمكن من فهمها ويتقبل علاجها.[3]

أما السوسيو دراما فهي مقاربة ينفتح من خلالها الطفل عن عالمه الخارجي وهو طريق الناشئة نحو الإبداع واكتساب التجربة الفنية تفتحه على وسطه العائلي والاجتماعي، وقد لعب فن الدمى دوراً هاماً في العلاج؛ بحيث استخدم ووظف كتقنية علاجية بفرنسا في أوائل الستينيات، وفي عام 1978 تم تشكيل جمعية دمية وعلاج Marionnette et Thérapie مما يفيد بنجاعة هذا النوع من التدخل في علاج وتأهيل المرضى خاصة الأطفال منهم.

مسرح الدمى المسرح في حد ذاته:

استعرضت لنا الكاتبة في هذا القسم بعض التعاريف التي جاءت في مصطلح الدمى والتي على اختلافها وتعددها توحي إلى تماثيل أو مجسمات مصنوعة غالباً من مواد مثل(الورق المقوى؛ والقطع الخشبية؛ أو أقمشة؛ أو هما معاً..)، هذه التماثيل التي تحرك بواسطة خيوط أو أسلاك لإعطاء حركة انسيابية للدمية. والدمية حسب الكاتبة جزء من شبكة معقدة وجزء من نسق يغطي ظاهرة مذهلة بأكملها وهي الظاهرة المسرحية ذات الطبيعة العالمية، إذ قد نعتبر الظاهرة المسرحية تجربة كونية لجميع المجتمعات على اختلاف أشكالها وصنوفها.

إن مسرح الدمى فن نشأ واتخذ له صورة بسيطة أثرت في المجتمعات بشكل كبير جداً، كما لو أننا نتحدث عن تأثيرات قد لا تظهر في الوهلة الأولى ولكن أثرها كبير وعميق يتخطى حدود الفعل الأول الصغير، بحيث إننا عندما نكون أمام عمل مسرحي متواضع من حيث الشكل نكون في الحقيقة أمام مجتمع صغير لا محالة سيصل تأثيره إلى مجتمعنا الكبير والواسع.

الدمى أو فن القليل:

لقد أولت الباحثة في هذا الكتاب وفي هذا الفصل تحديداً أهمية بالغة لبعض نماذج الدمى من خلال عرضها بالصور لتبيان الجمالية والرمزية والدلالة التي قد تحملها الدمية، مرفوقه ببطاقة تعريفية لنوع الدمية واسمها وتاريخها والأدوار التي لعبتها في جولاتها المسرحية. هذا مع التمييز بين بعض أشكال الدمى مثل: الدمية المشدق/ الدمية الخيطية أو المثلثة/ الدمية القفازية/ الدمية المائية/ الدمية الكرنفالية/ الدمية الإلكترونية/ دمى عروض الأزياء…

أمام هذه الحزمة الغنية من أنواع الدمى انتقلت الباحثة إلى عرض بعض الوظائف التي يضطلع بها مسرح الدمى، وذلك من خلال التركيز على بعض التجارب الميدانية المختلفة التي قامت بها في مناسبات متفرقة، ولعل أهمها التجربة التي أجريت بمركز حماية الطفولة والتي ساعد فيها العرض والتشخيص المسرحي بالدمى في عثور أسرة على طفلها المفقود، بعدما شاهدت تمثيل قصته بالدمى على منصة اليوتيوب. ثم التجربة الثانية التي استهدفت التعريف بأحد الأعلام المغاربة وهو الرحالة “ابن بطوطة”، التجربة التي أحيت في نفوس المشاهدين التأثير الذي يمكن أن يلعبه مسرح الدمى في خلق حركة إيجابية في المجتمع بشكل مختلف ومفيد.

إن الحديث عن كل هذه الوظائف والسمات والأدوار التي يمكن أن تلعبها الدمية في مسرح الدمى حرض في نفس الكاتبة طرح سؤال: من يقف خلف كل هذا؟ كما لو أنها تبحث في ماهية الصانع الذي يقف خلف هذا الجمال؟

تجيبنا في محور كامل بالقول: أنه محرك الدمى Le marionnettiste أنه الإنسان الذي يقف خلف هذه الظاهرة وهو الذي يعطي للدمية إنسانيتها وحياتها الخاصة، يهب بمهارة وحنكة وإبداع حياة افتراضية للدمية لتبليغ رسالة ما ولجمهور معين، وذلك ضمن مساحة العرض -مساحة محرك الدمى الخاصة- هذه المساحة تحدد علاقته بجمهوره؛ وتحدد علاقة الجمهور بالعرض؛ وبين الممثلين أنفسهم على حد تعبير الكاتبة.

على سبيل الختم،

إن موضوع مسرح الدمى على مستوى الدراسات والأبحاث التي اعتمدته كأداة وبعد أساسي في التربية والتعليم ليس وليد اليوم، بل اعتمد في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية -خاصة بنيويورك- منذ سنة  1930.

وقد أصبحت بعض الدول تنفتح أكثر على المسرح في المؤسسات والفضاءات التعليمية، وتعتمد على مسرحة المناهج، إذ يعتمد على إشراك الطفل في ممارسة الأنشطة تحت إشراف المربي، وساهم هذا المنهج بشكل ايجابي في العملية التعليمية من خلال:

  1. ظهور التركيز حول الاهتمامات”Center of interest” والذي اعتمد على موضوعات تحفز على العمل الجماعي.
  2. اعتماد المسرح لتنمية قدرات التلاميذ سواء اللغوية أو الحركية أو الفنية.[4]

إنه لا يمكن بأي حال حصر عوائد فن مسرح الدمى على الطفل، وذلك لما له من أثار نفسية واجتماعية وثقافية ومعرفية… إلخ، فطالما أثبت مسرح الدمى نجاعته في تحقيق نتائج ايجابية عندما يتم توظيفه لوقاية أو علاج الأطفال من بعض الأسقام المتعددة، كما أوردت الكاتبة ذلك في مؤلفها، وأكده مصطفى عبد السلام بالقول [أصبح المسرح وسيلة تعليمية تربوية وأداة علاجية نفسية تعتمد في تحرير عقد التلاميذ وتخليصهم من الأمراض النفسية كالانطواء…].[5]

يبقى مسرح الدمى في حاجة ماسة إلى التفاتة صريحة وقوية على المستويات الأكاديمية والمؤسساتية والميدانية، وذلك لضمان استمرارية هذا اللون المسرحي المتفرد في العصر الذي تهيمن فيه التقنيات التكنولوجية على الجوانب الترفيهية للطفل والطفولة، وكذا لتجنب إحداث قطيعة غير منصفة مع تاريخ غني راكمه مسرح الدمى لما في ذلك من إجحاف غير مبرر في حقه.

لقد كانت قراءة الكتاب فرصة ومكسباً للاطلاع على تاريخ مسرح الدمى ومميزاته وأهدافه والأدوار التي يمكن أن يضطلع بها في سبيل إنماء الناشئة وتأطيرها، وقد نجحت الأستاذة خديجة الشرقاوي الخطّابي من خلال تأملاتها في مسرح الدمى في إزاحة الغبار على واحد من أكثر المداخل الفنية فاعلية في تربية الطفولة وحمايتها. وقد تكون هذه مناسبة لدعوة كل الفاعلين في مجال الطفولة ومختلف المتدخلين في العملية التربوية للاطلاع على هذا العمل الأكاديمي الرصين الذي يمكن اعتباره منهجاً في التدخل الوقائي والعلاجي والترفيهي الموجه للطفل.

—————————-

[1]  د. خديجة الشرقاوي الخطّابي، تأملات في مسرح الدمى، مطابع الرباط نت، الطبعة الأولى، 2022، ص. 15.

[2]   د. خديجة الشرقاوي الخطّابي، تأملات في مسرح الدمى، مطابع الرباط نت، الطبعة الأولى، 2022، ص. 27.

[3] د. خديجة الشرقاوي الخطّابي، تأملات في مسرح الدمى، مطابع الرباط نت، الطبعة الأولى، 2022، ص. 49.

[4]  عماد الشافعي، المسرح المدرسي ودوره في غرس القيم العلمية، Middle East Online، تاريخ زيارة الموقع 15/03/2023/14:28، رابط الموقع: MEO

[5]  مصطفى عبد السلام، تاريخ مسرح الطفل بالمغرب، مطبعة فضالة، المحمدية المغرب، الطبعة الأولى، 1986 ، ص. 79.

1xbet casino siteleri bahis siteleri