تَبِعات الزِلزال

ولأن العاصفة غالبا ما يسبقها الهدوء، هذا الذي حدث، هدوء ليلي غير معهود، تبعته هزات أرضية قوية، جعلت الخوف يخيم على جميع الأمكنة في بلدنا العزيز. في بادئ الأمر لم نتمكن من فهم الذي حدث، وما هي إلا لحظات حتى جاء الجواب، زلزال قوي، جعل الفطرة تدعونا إلى ترك منازلنا والهرب إلى الخارج، بحثا عن الأمان، لنجد الجميع يستوطن مساحات شاسعة خالية من أية بنايات، خوفا من دمار محتمل، من سقوط أبنية محتمل، من موت محتمل، لنلحظ الوجوه من حولنا فزعة شاحبة.

ننتظر مجهولا، ظنون وتحليلات واعتقادات، قد تكون صحيحة أو قد تكون خاطئة، الجميع يتساءل: أيعقل أن تعود الهزات الأرضية بعد ساعات؟ هل سيعاد نفس الأمر بعد لحظات؟ أ يفترض بنا الاستعداد لكارثة طبيعية كبرى؟ لكن لا أحد يجيب، الكل خائف يحدق في الفراغ فقط، ننتظر شيئا ما، لا نعلم ما هو.. ربما رسالة مؤكِدة مطمئِنة، بأن كل شيء على ما يرام، بأن الأمور كلها تحت السيطرة، بأنه ما من داع يدعو إلى هذا الخوف كله، أو حتى تقرير علمي ما أو تصريح يفيد بأن الأمر جدي، وهو يدعو فعلا إلى ضرورة الاستعداد للأسوء، للدمار لا قدر الله.

استمر الهدوء لساعات طوال، لا رسائل مطمئنة، لا أخبار جديدة، لا تقارير علمية، لا تصريحات، قطعت الاتصالات بفعل قوة الزلزال التي بلغت سبع درجات.. الجميع يحاول الاتصال بالجميع، ولا اتصالات متاحة، لا يمكنك الاطمئنان عن من يشغل بالك التفكير بهم وبردات فعلهم جراء ما حدث قبل قليل، فقط خوف وهلع وسيناريوهات طوال مختلفة ينسجها خيالك.. ماذا لو…

مرت الساعات، وبدء العياء يعلو الأجساد، واليأس يتسرب إلى النفوس، الجميع بحاجة إلى النوم، إلى استراحة مطولة بعد الفزع المطول، والقلق المهول، لكن الخوف من عودة الزلزال من جديد بقوة أكثر ودمار تام هذه المرة، فكرة غير مطمئنة.. ولا تدعو إلى النوم نهائيا، لكن وبعد نفاذ صبرنا وطاقاتنا عدنا إلى الداخل، بعد أن استمر الهرب خارجا واللجوء إلى الفراغ لساعات، الإنسان بطبعه يحتاج إلى الاستقرار، إلى الحصول على مأوى.

بلغت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل: واستمر القلق، وغاب النوم عن أعيننا، شبكات الاتصالات غير مشغلة، فلنشغل التلفاز إذن، ربما هناك أخبار ما أو معلومات مستجدة، فالإنسان بطبعه فضولي يميل إلى المعرفة. وإذا بنشرة خاصة تبث على جميع القنوات التلفزية المغربية.. وهو أمر غير معهود، وهو فعلا يدعو إلى القلق.

بعد منتصف الليل بثلاث ساعات، صحفيون كثر في جميع ربوع المملكة ينقلون الخبر، يُربَط الاتصال بمراكش مباشرة، مدينة قريبة من بؤرة الزلزال، وصدمة الخبر: آثار الزلزال لم تكن بنفس الوقع على الجميع، كنا الأقل ضررا، عندما كان نصيبنا ضررا معنويا فقط، إلى جانب آلام الرأس الحادة، وتنميل مستمر للأطراف السفلية، ودوار، وصوت النوافذ وهي تقرع جراء الهزات الأرضية الذي كان مزيفاً، والخبر الصادم والمؤلم، أن العديد من المدن والدواوير قد كان الوقع عليها مؤلما جدا، إخوة يشاركونك الوطن، الدم، الدين والروح، أطيحت منازلهم بالكامل، إخوة لا يزالون تحت الأنقاض إلى هذه اللحظة، لساعات، دون هواء، دون أياد تمتد إليهم لتخفيف العبء، دون صوت يهمس للتهدئة من روعهم، تحت الظلام الحالك، تحت الركام…

في أقل من ثلاثين ثانية، هدمت قرى بالكامل، وتضررت دواوير شتى، تشردت عائلات، تيتم أطفال كثر، عجائز جرحوا، وحيوانات فقدت. أشخاص تحت ركام المباني عاجزين، وآخرون فوق الركام باقين، متلهفين، باذلين كل الجهد، على أتم الاستعداد لانتشال إخوتهم من تحت الركام لمنحهم فرصة أخرى للعيش، لأن ألم الفقد وبطريقة كهذه بليغ لا يمكن تجاوزه،

كارثة طبيعية أتت على حين غرة، مفاجئة، دون إذن مسبق، وأنت الذي كنت تستعد لأن تخلد إلى النوم قبل لحظات – بعد أن خرت قواك في يوم عمل شاق – تجد نفسك ملزما ببذل جهود الدنيا لإنقاذ ما تستطيع إنقاذه.. وتدارك ما يمكن تداركه، راغبا في إخراج أحبائك وأقربائك من تحت الركام ليتمكنوا من أخذ نفس جديد، لفرصة حياة جديدة، الجميع يحلم بفرصة جديدة للحياة ، لكن كما هائلا من الأتربة تجمع ها هنا ليمنع الحياة، عن أجساد تاقت إلى ذرات الهواء، ظلمة مخيفة، نفس يضيق، والكثير من الصرخات التي لا يسمعها أحد.

لكن الأمل موجود.. ومغاربة كثر ها هنا موجودون، أحرار، لا تغفى لهم جفون، شباب أبطال، رجال أقوياء، نساء صامدات، وأطفال بقلوب من حديد.. تجمع أبناء المغرب كله، من شماله إلى أقصى جنوبه، من شرقه إلى غربه، بسهوله وهضابه وجباله، في السراء والضراء، في الفرح والحزن، لتخفيف الضرر.. لأن بُعدَ المسافات لن يُطفئ شمعة الأمل، لأن التضامن يُقصر المسافات ويطويها، لأن المسافة التي يشغلها الفراغ سيملؤها أخي بوجوده وحضرته.

مغاربة كرام، تجمعوا ها هنا قائلين: “إن المساحة التي تخيفك أنت وتظنني بها بعيداً سأشغلها بجسدي وروحي لتصل يدي إليك ولا بد لهذه اليد من أن تصل، لتخفيف وقع الصدمة عليك، لأنك عندي مهم جدا، لأنك أخي ولأنني أحبك، سأكون دائما هنا لأجلك، وما بات عن قلبك ثقيلا سأحمله عنك أبد الدهر ولن أعيى”.

تجمع الإخوة ها هنا واتفقوا على مبدأ واحد، “متحدين نقف، متفرقين نسقط” لأن مثل المؤمنين في وصية الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ونحن مغاربة مؤمنون، بقضاء الله راضون، واليوم ها هنا، كل المغاربة تجمعوا، تألموا، بكوا وانهاروا، قطعت نياط قلوبهم حزنا، تسربت أنهار من الدموع من أعينهم، اعتصرت صدورهم ألما، لكنهم صامدون، أقوياء، متضامنون، جاهزون للقتال،
لأن المغاربة، عساكر في المعارك، لا يخيفهم شيء.

إنسانيون، رحماء ولا يقسم ظهورهم شيء، قادرون على إعطاء العالم دروسا حياتية مهمة من كل المواقف والأحداث الت يخوضونها، كانت فرحا أو حزنا، نجاحا أو فشلا، لأن المغاربة، شعب عظيم، ولأنهم سيجعلونك ترغب في أن تكون مغربيا كنت مغربيا أم لم تكن، لأن المغاربة، رائعون، صادقون، حقيقيون، لأنهم إخوة تماما، تجدهم تارة يتخاصمون، يتلاومون، ينتقدون بعضهم البعض والنظام والسلطة، لتظن أن بينهم خلاف، وبمجرد أن تظن ذلك فيهم، تجدهم عند الشدة أقوياء بعضهم ببعض، يقفون في الصف الواحد متراصين كالبنيان، صامدون في وجه كل اعتداء أو عداء، ولهذا، فإن الحياة بمغربنا مستمرة وإن طال العناء.. وإن رحمة الله بنا واسعة وإن زارنا البلاء.

1xbet casino siteleri bahis siteleri