جذوع بدون جذور

إن أفظع شيء قد يصل إليه الإنسان أن ينسى أواصره، جذوره ومنبعه الذي سقي منه بهدف إرضاء جانب آخر…يبحث كيف يقطع الجذع، ويتملكه كأنه مأواه الوحيد ومنفذه الآمن فيوهمه بذلك، حتى أنه فلح في أن يوكح الماء داخله…حتى الوادي عندما يجف ويعود إلى جريانه من جديد يتذكر معارجه ومساره ليسقي الحقول حوله.

تجد الكثير يهاب اتخاذ مسار ما خوفا من أن يهيج من جديد، لأنهم مدركون كل الإدراك أن الأشياء تعود إلى نصابها طواعية ولو بعد حين. إنه التسليم الدائم بأننا نتشبث بالجذور لا بالجذوع، ببساطة، لأنها تهوى بكل سهولة، ويتبرعم آخر في نفس الموضع ليبرز لنا أننا أمام أشياء قابلة للحياة بمجرد التخلص منها، أما إن ماتت الجذور حتى وإن كانت الشجرة معمرة شاهقة فسوف تهوى لتنزل بكل ثقلها على أرض صلبة كانت مأمنها ومسكنها فيما مضى لتعود إليها من جديد، لكن هذه المرة ستكون طواعية ليأتي من يحطب خشبها ويتلف براعمها الذابلة وهي مسلّمة بذلك…

لا أفهم تلك الفظاعة في التملك، ومن يروعني إلى حد الغثيان ذلك الانسياق اللامشروط، كأننا أشياء لا جذور لها، حيث إنها لم تغرس على أرض صلبة، لكن هل كنا لنعمر فعلا كل هذه الفترة على هذه الأرض؟ إن لم تكن أرضا دفن بداخلها منبع الحياة وغذاء الروح.

مقالات مرتبطة

عندما تريد أن تهوى لا تبدأ بالجذور، بل تخلص من الجذوع وانفض عن أوراقها الغبار وحاول أن تمنح لتلك الأعشاش المعمرة متسعا من الوقت، حتى تنفذ بنفسها بحثا عن ضالتها في شجرة تكون مأمنا وموطنا لها، إذ من الصعب تقبل عملية الانسلاخ عن كل شيء.

لا أفهم ذلك الانسلاخ الجذري، أكان لإرضاء النفس أو الآخر. نتشبث بالأشياء الأصيلة التي بدت منذ البداية لأنها نبتت في ذلك المكان الذي ندعي أنه لم يتناسب وطريقتها في الحياة التي لم تعد بحاجة إلى كل تلك المساحات الخضراء الشاسعة التي تدعو  لكي تتعايش بداخلها كل المخلوقات الحية، واكتفينا بوعاءات للغرس نبدلها في كل مرة، حتى أننا نكسر جذورها في كل محاولة لتبديلها من وعاء لآخر أكبر يلبي احتياجاتنا لا احتياجات الغرس.

نحن متأكدون أنها لن تعيش لمدة طويلة، سوف نبحث عن البديل فقط لملء أنظارنا بقليل من الخضرة والألوان ونتخلى عنها بمجرد أن تكبر وتنتشر جذورها، لأننا ليس لنا مكان حتى يتسع إلى شجر ترمي بجذوره إلى قاع الأرض، فنحن الآن نكتفي بما يطل على سطح ويبدو بمنظر مبهج للمارة أما الباقي فلم يعد يستهوي الجميع. هكذا هي علاقاتنا الآن، شتلات لا مكان لها لأن تعمر في أرض الخطايا.

1xbet casino siteleri bahis siteleri