أحزاننا الدفينة

أصبحت مقتنعة أن لكل شخص حزن دفين يتملكه، يحاول أن يتجاوزه بشتى الطرق، غدوت أبصره في الأعين المضيئة الصافنة أو الذابلة المرهقة، في الحديث المقتضب أو المسترسل، في ذلك السهو الذي يسحبنا إلى العدم أو في تلك البحلقة، في الانطواء والبحث عن الخلوة مع النفس أو في البحث عن مجمع دافئ يدفئ وحشته وأنسه. كل تلك الحالات تكسونا دون سابق إنذار، لتظهرنا في كل مرة على شاكلة لوحات تحمل رسائل التفاؤل والأمل أو رسائل تحمل كل تلك الخيبات.

من خلال التجربة، تدرك أن الشكوى وإعادة سرد تلك الأحداث المؤلمة لن يغير في الأمر شيئا، سوى إعادة فتح جراح لم تلملم بعد أو أنك اكتفيت من معالجتها وتعودت على الأمر حتى بدا جزءا لا يتجزأ منك، هل نبحث فعلا عن حلول من خلال الحكي والخوض في الأحداث أم نثبت لأنفسنا كمية الحزن الذي يكسونا؟ حتى عندما يستمع لك الآخر، لا تتوقع منه أن يرى الأمر بتلك النظرة التي ترى بها الأمور، أو أن يتعاطف معك وتبدو له تلك الزاوية المظلمة التي لم يظهر منها منبع نور ولا بصيص أمل.

مهما حاولنا أن نضع أنفسنا مكان الآخر، فلا يمكننا أن نوفق في ذلك، فلكل تجاربه، وصراعاته، ونجاحاته وإخفاقاته، فهون على نفسك ولا تطلق حكما من زاوية النظر التي ترى بها الأمور، لا داعي للمزايدات في رأيك وموقفك، فلن يزيد في الأمر شيئا، لسنا نسخا مطابقة لبعضنا البعض حتى نصدر تلك الأحكام الجائرة بدافع أننا نشترك في الكثير من الأمور، فلكل حياته بانشغالته وهواجسه.

مقالات مرتبطة

ما يبدو لي منطقيا قد لا يبدو للآخر بتلك الطريقة؛ يكفي أن نصب كل اهتماماتنا على الآخر وننتظر منه أن يرانا بتلك النظرة التي ننظر بها إلى أنفسنا وذواتنا، يكفي أن كل واحد يبحث فى ذاته عن اللّه. يقول شمس الدين التبريزي: ‘‘لقد خلقنا جميعا على صورة الله، ومع ذلك فإننا جميعا مخلوقات مختلفة ومميزة، لا يوجد شخصان متشابهان، ولا يخفق قلبان لهما الإيقاع ذاته، ولو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين، لذلك، فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله.’’

يكفي أن لكل شخص ندبات تؤرخ لفترة ما، تكون بمثابة وشم تذكره حتى لا يتناسى أن كل هذه الأمور التي يتملكها لم تأتِ من العدم. وأنه ليس من السهل أن نتصالح مع كل تلك الندبات وأن نتقبل وجودها وأن نعتبر آثارها التي غيرت فينا وما زالت أنها قابلة للزوال بكل سهولة. يكفي أن نتجاوز الأمر ونترك للزمن كلمته.

تحتاج منا الحياة أن نغتنم كل فرصة كأنها آخر فرصة، عندما يعترينا الحزن اغتنم الفرصة حتى تخرج أحزانك كلها وتبكي بنهم ليتلاشى ذلك الظلام الدامس الذي طمس على قلبك، ورمى بك في صندوق محكم الإغلاق؛ فيه ظلمة حالكة، لكن الغريب فيه أنه يجعلك تسمع كل تلك الأصوات التي تحوم حولك، لكن لا يمكنك من سماع ذلك الصوت داخلك، حتى عند الفرح اضحك حتى ينفرج قلبك وينشرح صدرك. فمرة تهدينا الحياة الكثير، ومرة تثقل كاهلنا بما هو أكثر، لكن في كل مرة ندرك أن الحياة مهما اشتدت بنا ستنفرج من حيث لا ندري.

1xbet casino siteleri bahis siteleri