وقفةَ متأمّلْ

ثم ماذا؟ ثم تطوي الصفحة فلا كلمةً تجد ولا حرفا ترى! تقول في قرارة نفسك؛ لمَ؟ لم خلت هذه من لمعان سابقتها؟ لم لا يخفق طائر اليوم بجناحيه؟ كيف طابت له نفسه ألا يطير وألا يتألق في السماء؟ أو سَطَا وافترس عليه ذئب؟ بيد أن الصفحة لا تتلفظ بالألفاظ بقدر ما تتنغم بالمداد.

تقف وقفة متأملٍ في الصفحات المالئة سطورها بالأمس والخاوية بطونها اليوم! تطيل التفكر في الماضي وكيف كنت في حياتك نشيطاً ومع الناس ظريفًا، تقضي يومك في اشتباك واشتراك مع الأخِلاّء، اشتراكا مشوبا بالمرح وأليفا للفرح، واشتباكا لا يفي بسعادته ظرف النهار فتواصل الليل به حتى إذا جن الظلام تخلد للنوم، وهكذا دواليك، ثم الآن وفي صفحة اليوم…تعيش في عالم كالمكان القفر، عالم ممتلئ عن آخره بلا شيء، لا إنس فيه ولا أنيس، فكأني بالناس عن عالمك رُحَّل، لا يعلمون عنك شيئاً ولا تعلم عنهم شيئا، لا تنتظر منهم إيماء ولا هم ينتظرون. عالم لا فرح فيه ولا حزن، ولا رخو فيه ولا صعب، ولا جذب فيه ولا جبذ، عالم أَخْلاء من الشعور والأحاسيس، وكأنك في أرذل العمر، وكأنك تموتُ غدا، الآن عدت غريباً في عالمك ومحيطك،

لا تبتئس يا حبيبي، فإن هكذا كانت الدنيا مذ كانت لا شيء يدوم فيها وكل ما فيها فان، وآخرها موت وبعث ثم حساب. قال بعض الصالحين يصف حال الدنيا:

مقالات مرتبطة

نصبت لنا الدنيا زخارف حُسنها *** مكرا بنا وخديعة ما فترتْ
وهي التي لم تحل قط لذائق *** إلا تغير طعمها وتمررتْ
خداعة بجمالها إن أقبلت *** فجاعة بزوالها إن أدبرتْ
وهابة سلابة لهباتها *** طلابة لخراب ماقد عمرتْ
وإذا بنت أمرا لصاحب ثروة *** نصبت مجانقها عليه فدمرتْ

يا عبد الله ويا أمَةَ الله بادر بالعمل لما هو باق ولا يزول، اعمل لآخرتك وأنت بين الناس عائم في ملذات الدنيا ومنشغل في غررها، واعمل لها وأنت غريب في خلوتك ولا تجعل الشيطان لك قريناً، فلا تعلم عن الموت موعداً ولا في القبر شفيعاً من الناس إلا عملك وطاعتك للواحد الذي لا يموت. كل شيء سائر لزوالِ إلا ربك وخير الأعمالَ، لا تجعل أحداً ذريعة لضعفك وتقصيرك في سيرك إلى الله، لا تجعل وقتك عملة تصرفها في نوم وكسل وتأجيل وتسويف وهدرٍ بلا هدف، وفي الطرقات والمحادثات التافهة وفي السهرات والعزمات المملة؛ إذ إن الوقت كالسيف!

رطّب لسانك بعالية الأقوال بالذكر والتسبيح والشكر والدعاء، واجتنب سافلة الأقاويل المحدثاتِ الفارغة التي لا غاية لها ولا معنى. جل جلالك يا الله، رغم توالي الإعراض منا وكثرة الأخطاء والذنوب فلا نزال نسقي من غيثك الكثير ومن فيضك العريض {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 18]

حتى النعمة الواحدة لا نستطيع أن نحصيها، عجباً من ابن آدم يأخذ ولا يعطي، ينهم وينسى، فأعط اليوم ولا تنس أن عطاءك يكون بالشكر والامتنان المستمر دون كلل ولا ملل، فالله الذي خلقنا وشق سمعنا وأبصارنا لا يسألك إلا أن تقول كلمتين؛ الحمد لله! وإن كان عن حمدك مستغن!

1xbet casino siteleri bahis siteleri