بَرَكَةُ العُزْلَة
لا تحدثني عن القوة أو تدعيها في شخصك إذا لم تتذوق طعم الفشل والإحباط في أحايين كثيرة، لدرجة تشعر فيها بقلبك يقفز بين أضلعك، وتحس ببعض من الخذلان والمكر، -وهو الشعور الذي لا يؤثر فيَّ صراحة؛ لأنني لا أتوقع شيئاً من أحد، لذلك يكون تأثيره أن لا تأثير له- ولايقف الأمر عند الأحاسيس بل في التجارب يا صاح.
ذلك الشعور الناتج يكون كطاقة تدفعك إلى الأمام، تجعلك نشيطاً ومبدعاً بلا قيود ولا حدود، طاقة تدفعك إلى التألق والتميز، ذلك الأمر الذي قد لا يملكه الجميع، أن يخرج الإبداع من رحم المعاناة، من صميم الحزن، من عز الألم، ومن لحظات الضعف والقلق، ولولا تلك القسوة التي نعيشها في الحياة ما عرفنا قيمة الرحمة وحلاوة التألق، تلك اللحظة التي يصبح شعورك وكأنك في عالم قفر مليء عن آخره بلا شيء، فيصرخ صوت بداخلك، يا عزيزي قم من غفلتك، وتذكر دوماً أن كلا منا مقاوم لشبحه الخاص به ولكل منا معركته الخاصة التي سيخوضها في الحياة، لذلك، تذكر أن أمامك الكثير من المعارك ولكي لتفوز بها، عليك أن تعمل بجد لكن بحذر، واجعل معاناتك دافعك الأول للإنتاج والإبداع.
العزلة ليست سيئة، بل هي الملجأ الذي لا بد منه بين الفترة وأختها، لتقف وقفة متأمل وتطيل التفكر في الماضي والحاضر، وفي المحيط بك من أشياء وأشخاص، وكذلك في روحك وفؤادك، وفي اختياراتك، في كسلك واجتهادك، في فرحك وحزنك، هي فرصتك إذا عرفت استغلالها لصالحك، فيها تجدد همتك، تصحح نواياك، ترتب الأولويات، ثم تراجع علاقتك بربك، بقرآنك، بوالديك، بعملك وبدراستك.
العزلة تجربة شعورية يمر بها الشخص ويكون في حالة انفصال عن المحيطين به، نتائجها عديدة، ولكل امرئ اختياراته، هناك من يجدها كهفاً مظلما، يشعرون فيها بالوحدة ويقل تقديرهم لذواتهم، ما يُؤدي بهم إلى الاكتئاب وهذا يشكل خطرا على الصحة، لكن العزلة التي نريد تكون قصيرة الزمن وهدفها لا يتعدى التدبر والتأمل وشحن الطاقة الإيجابية للمضي قدماً ولتطوير الذات، لكي لا نقع في العشوائية، ونعيش حياتنا بفوضى دون مراجعة ولا تخطيط.
وختاماً، عندما تقسو علينا الظروف وتضيق بنا السُّبل، فالله هو الأمانُ الدائم في هذا العالم الظالم أهله، يسمعك دون أن تتحدث، وإذا تحدثت لا يمل ولا يعاتب، موجود في كل الأوقات، ودون موعد وفي كل الأوقات تستطيع أن تقرع بابه، وتتضرّع في أعتابه، وتناجيه في شروق الشمس وغروبها وتحت أي ظروف، فبمجرد البوح تُعالج جروحك، وتُفتح عقدك، ويبعث الراحة والطمأنينة في قلبك كأن ذلك الألم لم يكن.