كواليس الصور

ويكأن الحفل حدث بصيغة أخرى أكثر مرحا وتسلية ودفئا. هذا ما يظهر من خلال صورها، ولكني كنت حاضرة حفل ميلادها الذي بدت فيه منزعجة من ظلها، مكتئبة من دواخلها.

تساءلت حينها لما لا تكلم أحدا من أفراد أسرتها وتظهر متذمرة ممن حولها؛ إذ التزمت الصمت طوال السهرة حتى وهي تختار أفضل زاوية لمائدة وضعت عليها كعكة رائعة تحس من زينتها بالبهجة ومتعة الحياة، ولكنها بالتأكيد لم تكن مستمتعة أو فرحة بضيوفها ولا مفتونة بطلتها ولا متشوقة لتذوق كعكتها.

أطلقت الموسيقى المعتادة لأعياد الميلاد وقام الحضور بأدوارهم على أحسن وجه، وبقمة الذوق والأدب هنأوا ولم يتخلفوا عن طقس تقديم الهدايا بعد أن عدوا معها إلى ثلاث وصفقوا لها بحرارة.

ابتسمت وقتها قليلا حين حمل كل من يقابلونها كاميرتهم لتوثيق الأجواء؛ ثم أطفأت الجميلة الشمعة على مضض بعد أن تلقت أكياس هداياهم وشكرتهم باختصار شديد. ومضت تختار أفضل الصور لها مع كعكتها التي تصنعت ابتسامة نصف مائلة لطيفة في التقاطها.

بمجرد أن التقطت بعضها بتركيز شديد منقطع النظير اختفت وتركت أهلها يضيفون الكعكة مرفقة بالعصير لضيوفها. ذهلت حين قارنت منشورها الذي يحتوي صورة ذكرى ميلادها وهي منتعشة جدا وعاد بي الخيال إلى كواليس حفلها. إن الأمر شبيه بمن جمل واقعا مريرا بطوق ورود في عالم افتراضي.

أطرقت في التفكير: هل أتصنع أيضا الفرحة لمباركتها التي لم تشاركها معنا أم أضع إعجابي وأمضي؟ أم أكمل كذبة بشهادة زور على مثالية الأجواء وحلاوتها التي لم أتذوقها ولم ألمسها في أي تفصيل مر في الحفلة؟ الحق أن الصورة جميلة وصاحبتها أبهى مما رأت عيني حينها وابتسامتها أكثر انتعاشا وتبعث على المرح.

عزمت وقلت: قبل أن أمضي، لا بد من إعجاب وكلمات لطيفة تلطف طقسها الكئيب إن كانت سجينته، ولا بد من إضافة قلوب قد تحييها. فغالبا يؤثر الكلام الطيب في الأشخاص الذين لا تسعدهم الرفقة الاجتماعية وينعكس على مزاجهم. متمنية أن الرسالة وصلت وفهم مقصدها لا أن تراني مجاملة وشاهدة زور تقف في الزور.

كتبت: “عيد ميلاد سعيد أيتها الجميلة!”
أجابتني لحظتها: الجميلة عيناك. استمتعت جدا معكم وسعادتي الكبرى حضوركم واستمتاعكم.
وفي نيتي لو أستطيع أن أرد: “عيد ميلاد ضجر أيتها الضجرة؛ وحدهم الضجرون من يرتادون الحفلات الصاخبة ويبحثون عن مرح فقدوه.”

وأن اهمس في أذنها: “عزيزتي! لا تنسي أنك لست مجبرة على حضور حفلات لا تطيقين طقوسها، ولست مجبرة على مشاركتها مع كراكيز تحفظ أدوارها ولا على دعوة معارف طرقات مملة. وتذكري أننا لا نحتاج فقط صورا بطلات بهية وبابتسامات عريضة لتوثيقها، بل لحظات سعادة نسرقها ونخزنها في الذاكرة. فقلوبنا أيضا يليق بها الفرح الذي يدغدغها دون أن نحمل هم ملء ألبوم فارغ. فهل سنعرضه للبيع لاحقا؟! لا. وحدنا نحن من سيشتري رائحة الحنين حين نفتحه. فكثير منا يعرض فرحه للفرجة؛ ولكن أحاسيسنا. هل تشترى حقوقها؟ هل تباع؟ هل تتدفق طاقتها للناس من الورق؟

وحدك من قد يعيد الشعور أو لن تشعري أبدا بأي شيء حين تتأملي الصورة. والأهم، احذري أن تضجري فتحاولي أن تصنعي لنفسك تاريخا ميتا تكونين فيه ممن يرتبون الموائد ويطرزون الوسائد ويجهزون الولائم ويسهرون لتصوير تفاصيل حفل عقيقة حيوانهم الأليف، فقط لأنهم بذلك يبحثون عن مرح مفقود غنيمته صور فخمة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri