كرام ولئام

اعتاد الناس أن يقسموا ويصنفوا غيرهم إلى أخيار وأشرار، لكنني أرفض رفضا تاما قاطعا: أطروحة الملاك والشيطان. كأن تلبس الشخص أجنحة يرفرف بها فوق العوام أو أن تجعله قاتما برداء أسود فتصوره أنه لا يأتي إلا كل فعل شنيع حيث لا ينهض إلا لغضب ولا يقعد إلا بضرر.

الحقيقة أن الإنسان عجينة من كل جميل وكل خبيث، ولكنها نطفة تغلب أخرى في ظرف، في موقف، مع رفيق، مع عدو؛ فالنفس تتمظهر في أحد صورها حسب ظروف معينة: إما أن تشهق للسماء أو تتمرغ في العفن وكلاهما يعقبهما ندم إما على حسن تصرف أو عض للأصابع على سلوك سيء.

مقالات مرتبطة

لكنني أرى الناس تمايزوا لكرام ولئام، وهذا تصنيف أحق بالاعتبار؛ إذ كلنا نتشارك في كوننا بشر، فإما أن تزرع فيك نطفة الكرام فتتكرم على نفسك أولا لتكرمها عن كل قبيح يسيء لها ثم بعدها تجل بالمحبة والصدق كل كريم نفس أو أن تكون لئيما لا تمت لصحبة الكرام ولا لصفاتهم بصلة. أما تمظهرات الحالين فواضحة لا يشوبها ضباب؛ فالكريم إن أكرمته استحيى وإن رفعت شأنه رفعك على رمشه ورأى نفسه بخيلا. وأما اللئيم فلا تليق به رفع هامة أو تقديم هدية أو مراعاة حديث أو تطييب خاطر فهو كالبهيمة في غفلتها لا يعقل أفعال الكرام…لا يده حانية ولا لسانه رطب يلتئم به جرح ولا بيته دافئ ولا يسأل عن ضعيف، صراخ لمن أكرمه وجبن يحسبه تقديرا مع من لكمه.

ولكن ابن بيت الكرم؛ نفسه تأنف اللؤم في الرد وإن كان قادرا عليه؛ فإن نبه له ظن نفسه كبيرة أتى ولامته وسادته ليلا. والكرم بسطة يد وطلاقة وجه وإقبال على الخير ونبذ لكل قبيح وتقدير للضعيف وللقوي وجبر للخواطر، ببساطة حين تكون كريما فأنت بمثابة عطر أينما حللت، سواء فاح بلسانك، بيدك، بفعلك أو لصمتك، والعلاقات الاجتماعية لا تدوم إلا بحلم الكرام لأن طيب الأصل يتغاضى عن قليل المروءة ولو انتقم لاعتزله ولأنه يشفق على سوء حاله يصبر عليه، بينما اللئيم يتمادى والكريم يأبى أن يقطع رحمه جبرا لخواطر من أنجبوه.

أفعال اللئام لا تخفى على أحد أمارتها؛ فالكل يعرفها، والكريم من يترفع عنها في حين يصر على إتيانها وقاحة، النذل، ويظنها تارة شجاعة؛ وتارة أخرى يسميها صراحة وأغلب الأحيان يعتبرها ذكاء، وويل لمن كان شريك حياته نذلا كسم يفسد خاطره في منامه ويقظته أينما حل، ذاك من يقال عنه لم يتزوج قط بل قضى فريضة ليته عنها غفل.

1xbet casino siteleri bahis siteleri