المونديال أفيون الشعوب؟!

530

لطالما سمعنا منذ بداية المونديال بأقوال رنانة، مضمونها أن تتبع كرة القدم وجعلها محل الأنظار تبليد للشعوب وتخدير لعقولها وأنها أفيون ناجع في صد نضالاتها والسيطرة على تحركاتها. لكن ما يحدث اليوم عكس ما كنا نسمعه من قبل، فقد تحول المونديال وهذه الكرة، إلى محفل دعوي كبير ومنتدى رياضي قيمي عظيم، فشهدنا فيه قيما إنسانية عرفانية إسلامية كاستحضار النية في كل عمل والبر بالوالدين اعترافا بجميل صنعهم ورفع شعارات عادلة كالقضية الفلسطينية والتحام الشعوب العربية وتوحدها وغيرها كثير. 

المونديال أبان عن علو القيم الإنسانية الأخلاقية الصلبة وعلى دنو القيم السائلة المنحلة اللاإنسانية. كشف كأس العالم في قطر عن صراع رهيب بين القيم الصلبة وبين القيم السائلة، وكشف عن كون المسلمين هم الحصن الأخير أمام المادية الغربية المدمرة للإنسان، وكشف عن خرافة نهاية الإسلام وقيمه الصلبة.

ومن يتابع الإعلام الغربي سيكتشف صدمة كبيرة لدى الإنسان الغربي المادي مما يقع في كأس العالم. أرسل مجموعة من الرسائل القوية لأعداء الأمة، وأظهر الصورة الكاملة الواضحة لما كانوا يسمونه إرهابا. كيف لحدث مثل هذا أن يكون أفيونا أو مخدرا، وهو وسيلة ناجحة وفرصة مثالية لترويج القيم الإسلامية والتعريف بروح الدين الإسلامي.

لا يمكننا أن نفصل بين الرياضة وبين الحياة الاجتماعية السياسية، فهما مرتبطان، إنهما صنوان، ويذكرني الدعوة إلى فصلهما، فصل الدين عن الدولة أو السياسة، يذكرني الفصل بالعلمانية. لا يمكننا أن نغفل عن الحدث الرياضي، بل علينا استغلاله في نشر دعواتنا وقيمنا لأنه طريقة ناعمة في إيصال الأفكار والتشهير لها، وذلك لما تشهده الأحداث الرياضية الكبرى كالمونديال من تتبع جماهيري عالمي كبير. فكما يسعى الآخر الغربي في نسف القيم العربية عن طريق الآليات الناعمة التي بدأها بالإعلام، يستغل الآن فرصة المونديال لإفشاء سم قيمه في عقول شبابنا، فدعا للشذوذ وعارض قرارات البلد المنظم قطر المرتكزة على الدفاع عن الهوية الإسلامية والعربية خوفا من معاداة شعوبهم بقيم الإرهاب.

وما يقدمه المنتخب المغربي في الديار القطرية، من تألق لاعبيه على أرضية الملاعب وتفننهم في إظهار مواهبهم وقدراتهم،  ومن تشريف خارجها بالتمسك بالروح الوطنية والجماعية واحترام وتقدير المدرب ورفع الأعلام الفلسطينية -التي كان رفعها  كشربة من علقم شربوها لكل مطبع ملعون-، والدعوة لأساس العمل الإسلامي والفرض الأول لتقبل الأعمال “النية” بترديدهم مع مدربهم الهمام عبارات غير معقدة ولا مركبة “ديرو النية”، عبارات تشير إلى ذلك الإيمان الصادق، إيمان العجائز، إيمان نابع من القلب ومن الطبيعي أن يصل إلى القلب بكل سلاسة وتقبل.

لا ورب، لا يجوز أن ننظر للمونديال أو لأي حدث رياضي عالمي بنظرة أفيونية تخديرية، نعم هو يلعب جانبا مهما في التخدير والتبليد، لكن هذا يكون حين يجعل الشعب حقا نسي همومه وقضاياه. وإن هو يتمسك بها في وسط الحدث ويدافع عنها، فهو متيقظ يستغل العالمية في التثقيف الإيجابي بين الشعوب.

الفرحة للمنتخب هو تعبير عن فطرة حب الأوطان، وهو تعبير عن الوطنية الحقة والحب الصادق الذي يكنه المواطن المغربي لوطنه، الشعب متعطش للفرح متعطش للنصر، نأمل أن تكون الأفراح والانتصارات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية حتى تكون فرحة أكثر عقلانية.

شكرا للمنتخب المغربي على القيم التي بثها للعالم، وشكرا لقطر التي قدمت درسا في غاية الروعة في الدفاع والاعتزاز بالقيم الصلبة للأمة.