عقم الفقه بين العوام

110

كثيرا ما كنت أتردد في الكتابة عن أمر الفقه عند العوام، لسهولة تأجيج الصراع مع المدعين والداعين للاستمساك بالسنة بشكل حرفي. أو لأنه يحصل إذا فعلت أن ينقص الآخر منك، ويراك مبتدعا خارجا عن الجماعة، زائغا عن الحكمة.. وأمثالها من ألفاظ اللمز والقدح… ولكن لتفشي هذه الظاهرة وخطورتها؛ -إذا توغلت- على ترك روح الدين، ومبادئه الكبرى، ومقاصده العليا، تجعل الموضوع ملحا.

ونقصد بعقم الفقه عند العوام، تلك المجادلات والمشاحنات والنقاشات التي تتطرق إلى المواضيع الفقهية الدقيقة منها والواضحة، بين العوام، أي الأشخاص غير المطلعين على المذاهب الفقهية الذين لديهم دراية بالفقه وأصوله وعلومه.

حين يبدأ النقاش بين العامي والعامي في هذه الأمور، فإن النقاش لا محالة عقيم وخصوصا إذا كان الأمر المناقش، فيه سعة في الدين، واجتهاد. وليس بينهما مرجع يعتدون به، بل كل واحد منهم يهذي برأيه من غير استحضار للنصوص المؤطرة، أو الأصول الأصيلة.

ولا نروم بهذا أننا ننقص من قيمة الفقه، وإنما نقصد بذلك أن الفقه ليس من شأن العاميين، فإذا كان القانون المدني والوضعي، هو للمتفيقهين في العلوم القانونية، يعلمون دقائقه وجزئياته، فإن المواطن لا يعلم منه إلا ما يخصه في حياته الاجتماعية والمدنية، ولا تجده يتعمق فيه حتى يعلم كل أمره.

وهكذا القانون الإلهي والنبوي في العبادات، الذي هو الفقه، فهو ينطبق عليه نفس المثال، إذ على العامي أن يعلم ما به ضرورة لتستقيم عبادته “المادية” الجوارحية، ليتعمق بعد ذلك في الاعتناء بروح الدين ومقصده ليسير عليه، ويطور ذاته فيه. أما ما فيه قرار ونص وفتوى فلا تجديد عليه إلا ما قال به العلماء وذاك من تخصصهم لا من تخصص الإنسان العامي. وإذا نحن أبقينا على نقاشاتنا في دائرة الحلال والحرام، فإن الدين يقزم بشكل فظيع، حتى إنك لتحسبه دين قوانين صارمة فقط، وهو أكبر من هذا.

إن الدين، هو الخلق هو العبادة المتخشعة، هو الإيمان الذي يدفعك إلى العمل، والخشية واتباع طريق الهداية، أما أمور الفقه فهي أمور متفرعة عن هذه المقاصد الكبرى تكملها وتجعل لها الإطار. إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يكثر الكلام عن الفقه إلا إذا جاء سائل يسأل، حينذاك فقط يفتي ويحضرُ الفقه. أما في مجمل كلامه الآخر كان يحث عن القيم العالية كالتقوى والإحسان والإخلاص.

نؤكد، أننا لا نقول بأنه يجب أن نلغي النقاش بين العوام حول الفقه بشكل قطعي؛ بل نقول إنه يجب أن يعلم منذ الصغر، وما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع.” ببعيد عنا، فهو يشير إلى كون المعرفة الفقهية الضرورية يجب أن تلقن في الصغر وبعد ذلك يبقى على المسلم أمر العمل على تقوية إيمانه وصلته بالله والقرآن وسنة رسوله. وأما الجزئيات فهي تبقى لأولي الأمر، أو للعلماء، أو للعامي الذي بذل جهد البحث والتعلم حتى أصبح فقيها. أمَا وأن نجعل جل نقاشنا وجلساتنا وكلامنا حول الفقه فإن هذا ينفر من الدين ويصوره بطريقة ناقصة، ومجتزأة… إنما هو صراع أولويات وصراع أهمية، فإذا اختلت الموازين انتكس التدين، وسقط الإنسان في وحول كان القدماء قد دمروا بها الحضارة لاقتصارهم على سفاسف الأمور.

إن الفقه أمر متعين على الفقهاء، والعاميين أولويتهم بناء تدين قويم، واستقامة مستقيمة، هكذا يكون الميزان على استواء.

1xbet casino siteleri bahis siteleri