انعتاق صامت

في طفولتي كنت أنا وفي مراهقتي كنت أنا أيضا، في دراستي كنت أنا وعند نجاحي في كل المستويات الدراسية كنت أنا، وعندما أقبلت على دخول الجامعة كنت أنا، لقد كنت لنفسي الحب، السند، الأمان، كنت كل شيء لنفسي منذ ما شققت طريقي نحو تحقيق أحلامي وأهدافي، حقا فقدت من سيكون لمجرد إحساسه بحزن في عيني يضمني إليه ويهمس في أذني ويخفف وطأة ذاك الحزن، لكن تجاوزت هذا الفقد وكنت لنفسي منذ البداية مصدر القوة والأمل اللامتناهيين، فإنني إن وقفت وسط حرب مليئة برائحة الرصاص وأمام بركان يغلي وإعصار قادم نحوي لن أخاف منهم، لقد خضت غمار الحرب منذ بداية القصة لوحدي، فلماذا في نظرك أن أخاف الٱن؟

بل إنني لن أخاف ولن أكترث لتلك الفجوة التي تركتها فارغة فقد ملأتها لنفسي وبمن أحبه خاطري، لن أخاف أبدا لأن السند معي عوضني عنك، لذلك لا تأتي بعد زمن وتخبرني أنك كنت معي في كل خطوة أخطوها، وأنك سهرت معي عندما كنت أتألم من المرض، وعلى أنك كنت معي حينما بكيت على حزن اجتاحني وحينما بكيت فرحا على نجاح حققته، وأنك خففت عني تعب الدراسة وشجعتني على المقاومة والاستمرارية ببعض من كلامك، وأنك أنت من مددت لي يدك حينما سقطت وتعثرت أول مرة، رجاء لا تأتِ وتخبرني كل هذا، لأن هناك حقيقة واحدة ثابتة وهي أنا؛ أنا من كنت مع نفسي في كل لحظة، أنا فقط من كنت شاهدة على شتات داخلي، أنا من سهرت تلك الليالي الطويلة، أنا من مسحت دموعي لنفسي حينما بكيت، أما أنت فقد جعلتك ترحل من ذاكرتي لأن بقاءك عالقا بها يجعلني أقل قوة ويفقدني قوة الاستمرارية.

ودعني أخبرك أنني بخير، بخير ما دمت قد تجاوزت كل ٱلامي وتعثراتي ومعاركي، بخير ما دمت قد تركتك ومضيت في طريقي أحقق أحلامي غير آبهة بك ومن تكون بالنسبة لي، وكن على يقين أنني لن أكون بخير إذا كنت بجانبي، وسأخاف إذا سمعت صوتك المتعالي، وسيزداد خوفي إذا سمعت وطأة قدميك تخطو خطواتها الأخيرة لفتح الباب، أما غير هذا فصدقني أنا بخير.

نعم؛ لقد تحملتك تحملا يفوق طاقتي، تحملت مزاجيتك المفرطة، عنادك، شتمك، تحملت شيئا كان صعب التحمل بكثير، كنت في كل مرة أطلب فيها مع قرارة نفسي بأن تتغير ولو قليلا وأن تحس ولو لمرة واحدة بأغلاطك التي لا تعد ولا تحصى، لكن دعني أخبرك أنه حدث عكس ما تمنيته، ففي طلبي ذاك تغيرت أنا مكانك، ولم يعد يعنيني إذا اهتميت بي أو لا وحتى وإن حدث ذلك لن يغير بداخلي شيئا، تحملتك كثيرا في سبيل أن تتغير لكنك تماديت في اللامبالاة، تحملي لك كسرني، أبكاني لكن في مقابل ذلك زادني قوة وعزيمة؛ فأنا الآن لم أعد أنتظرك أن تتغير بل استجمعت قوتي وحقيبتي وحلقت بهما إلى مكان ٱمن تستحقه نفسي، بعيدة عن كل ما يخصك، مكان يوفر لي الدفء والحنان فأزهر فيه من جديد وأترعرع كنبتة كنت قد حرمتها من ماء عذب يسقيها.

ولعلمك أنا لا أكرهك، لكني لن أسامحك؛ كلمة سامحيني التي كانت وسط تلك السطور لن تغير شيئا، لا أعرف ما سبب دموعي في تلك اللحظة، ليس لكلمة سامحيني لكن كيف سيكون السماح، وإن غفرت لك من يغفر لكل تلك الأيام التي تركت آثارها في روحي، كيف لي أن أنسى أنني هنت إلى هذا الحد، كيف لي أن أغفر لك كل خطاياك وأتجاوز كل ما سبق بمجرد كلمة سامحيني، كيف لي أن أنسى جفاء معاملتك، والنار التي أشعلتها داخل قلبي دون أن تخمدها، هل كلمة سامحيني ستعيد ابتسامتي العفوية تلك؛ تلك الابتسامة التي تحمل حبا في طياتها لقد أفقدتها لي، كيف لهذه الكلمة أن تصلح شيئا قد كسر إلى أشلاء صغيرة، وإن كان حبي لك أكبر من هذا وسامحتك، فهل ستسمح لك وسادتي التي ملت من دموعي التي تنهمر كل ليلة، هل ستسمح لك جدران غرفتي البيضاء التي تحولت للأسود بكلماتك الجارحة وشتمك كل صباح مساء، هل سيسامحك فؤادي على الغصات التي كانت تصيبه كلما تذكرك، ماذا عن أيامي التي احتجتك فيها وأصابها ظلام دامس بسبب غيابك هل ستسامحك؟ وابتسامتي التي اختفت وتختفي أكثر كلما أسمع اسمك؟

ماذا عن النبض الذي كان ينبض باسمك وأنا صغيرة وخذلته، وعيناي التي جفت وأصبحت كصحراء قاحلة؟ ماذا عن تلك اللحظات الصعبة التي كان سيكون لوجودك فيها بلسم لي وكنت موجودا غائبا في آن واحد هل لها مسامحتك؟ ماذا عن كلماتي التي تصبح بلا لحن حينما أتحدث عنك هل لها مسامحتك؟

كلها أشياء لن تسامحك، أما أنا فقد سامحتك قبل أن تطلب السماح، لدرجة أنك أصبحت بالنسبة لي من عامة الناس، عامة الناس الذي لا يهمني تواجدهم، وإن تواجدوا لن يفعل بي شيئا، لقد عدت غريبا؛ وكما قلت لك فأنا لا أكرهك، لكنني أكره أن أتذكر كل ما يذكرني بك.

1xbet casino siteleri bahis siteleri