هواية المرء هويته

في هذه الحياة يضطر المرء بشكل يومي إلى القيام بالكثير من الأشياء والأمور التي لا تروق له، لكنها ضرورية بالنسبة له حتى تمشي حياته على ما يرام فهي أمور ضرورية للسيرورة الميكانيكية العادية للحياة، لكن توجد في ثناياه وبين صفحات شخصيته أشياء يحبها ويرتاح بالقيام بها، أشياء يهوى مزاولتها لأنها تجعله يحس بكينونته، أشياء تجعله يعبر عن شخصيته ويطورها ويرقى بها من مجرد إنسان ميكانيكي إلى إنسان روحي لأنه يمارس هوايته بروحه لا بجسده.

هواية المرء تسافر به بعيدا وتبعده عن الواقع لتدخله في عوالم أخرى لا يرقى إليها إلا بها، إنها تجعله يتعرف على نفسه أكثر لأنها تحرك فيه مكامن الإبداع التي تجمدها الحياة الروتينية، وهذا ببساطة لأنه يمارسها بكل حب وتفاني، هذا لا يعني أن المرء قد لا يزاول عمله بحب وتفاني أيضا -ولو أن هذا حال الأغلبية- ولكن الهواية شيء آخر أجمل وأمتع.

مقالات مرتبطة

أتعلمون من هو المحظوظ ابن المحظوظة في عالمنا الغريب هذا؟ إنه من كانت هوايته هي نفسه عمله، إنه لا يعمل أبدا لأنه يمارسه هوايته قبل أن تكون عمله، حينها يكون العمل من الإتقان بما كان. لا بد وأن نكون صادفنا يوما حرفيا تقليديا متقنا لعمله مبشوش الوجه منفرج الأسارير، وقد نكون استسلمنا للفضول وسألنا عن سبب العيون الدائمة البسمة والروح الدائمة المرح، سيقول ببساطة أنه يهوى عمله ويحبه حبا جما، لذلك فهو لا شعوريا يعكس ذلك الإحساس من داخله إلى الخارج ليصبح مشعا يراه كل من يمر حذاه أو حتى يرمقه من بعيد؛ نفس الشيء بالنسبة للرسامين والكتاب والفنانين من شتى المجالات والعلماء والأطباء و المهندسين والمدرسين وهلم جرا، فالهواية ليس لها تعريف واحد وليس لها قالب واحد يمكن قولبتها عليه وهذا ما يجعلها تمنح صاحبها ميزة خاصة تجعله منفردا ومميزا بين أقرانه.

وأخيرا وليس آخرا، لا يسعني سوى القول إنه لمسكين من لا هواية له، ومسكين من سمح للحياة أن تبعده عن هوايته، فقط وببساطة لأن هواية المرء هويته، هي من تميزه عمن سواه وهي من تنقذه من عالمه الروتيني الميكانيكي وتجعله يرى الكون بعيون أخرى، لذا تشبث بهوايتك ولا تسمح لها بمغادرتك!