في الشدائد تظهر المعادن‎

طالما سمعت بأن المحن هي من تخرج من المرء أحسن ما فيه، أو أسوأ ما فيه، الأمر يعتمد على طبيعة الشخص و طينته، لكني الآن رأيت ذلك بأم عيني وسمعته بأذني هاتين، فبعد تلك الليلة المشؤومة اللتي مرت بها بلدي الحبيب يوم 08/09/2023، وبعد ما حل بإخواننا من مصيبة، فبعد أن زلزلت الأرض تحت أقدامنا في جل ربوع المملكة، حدث أن هدمت بيوت ومات أناس تحت الأنقاض وربما بقي أناس تحتها أحياء ولا زالوا ينتظرون النجدة، شردت عائلات ويتم أطفال، فسبحان الذي يغير الحال من حال إلى حال، من كانوا بالأمس آمنين في بيوتهم مع أسرهم ولو كان حالهم ماديا غير مستقر مثلا، فقد كانوا على الأقل تحت سقف يأويهم ويحفظ لمتهم، اليوم أصبحوا مصابين وبلا مأوى أبدا وربما في أسوأ الأحوال بلا عائلة أيضا، برزت طائفتان من الناس: طائفة هرعت لنجدة المنكوبين بكل ما أوتيت من إمكانيات، و أخرى من المفسقين ، “الواعظين” و “المنذرين”.

الطائفة الأولى والحمد لله هم الغالبية العظمى جزاهم الله كل الخير وتقبل منهم صالح الأعمال لم يتركوا أي شيء ممكن إلا وفعلوه، كل حسب موقعه وإمكانياته ومهاراته، فعلوا كل شيء تقريبا في موقف يثلج الصدر ويجعل اللسان يعجز فعلا عن الكلام، فمن أوتي علما استثمره في خدمة الوضع الحالي وإيجاد حلول للمعضلات المطروحة، ومن أوتي مالا لم يستبخسه في إخوانه المنكوبين، بل حتى من هو محتاج إليه تبرع به من أجلهم وآثرهم على نفسه، من أوتي أي وسيلة مهما كانت قادرة على المساعدة لم يبخل بها ولم يتردد في تسخيرها خدمة للهدف النبيل، أقسم بالله العظيم أنني يوما بعد يوم ومحنة بعد محنة أفتخر بشعبي المغربي وأعتز بكامل كياني بكوني مغربية، فإنه والله العظيم لشرف لي أن أنتمي إلى شعب عظيم كهذا، شعب ورث كرم الأنبياء و رحمتهم، شعب يؤازر بعضه بعضا، شعب قادر على أن يقف بنفسه بعد أي سقطة وينهض أقوى وأكثر تماسكا وعزيمة من ذي قبل، حفظ الله شعبي وآزره وقواه وأيده.

أما عن الطائفة الثانية هداهم الله فهي شرذمة من الدوغمائيين اللذين يسمعون كلام الله فيفسرونه على هواهم، من يفسرون كل محنة ب “عذاب الله للقوم الكافرين”، من يكفرون ويؤمنون من يشاؤون وكأنهم أوتوا من علم الغيب شيئا، وكأنهم ضمنوا مقاعدهم في الجنة وهم يتحدثون منها، حسبي الله ونعم الوكيل، وسبحان الله رغم “إيمانهم القوي” و “كونهم معصومين من الخطأ” نسوا قول رسولنا الحبيب عليه أزكى الصلوات والسلام “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”، نسوا قوله أن ” كان الله في عون العبد مادام في عون أخيه” فيا إخواني إن لم تكن لكم نية في المساعدة بأي شكل ساعدوا على الأقل بإغلاق أفواهكم اللتي تنطق على هواها. نحن لا ننكر بأي شكل من الأشكال بأن الله زلزل أقواما عذابا لهم، ولكن لا تنسوا أن المحن مهما كان نوعها أيضا امتحان للمؤمنين ف “إذا أحب الله عبدا ابتلاه” الله تعالى أرحم بنا من أنفسنا وأمهاتنا اللائي أنجبننا يبتلينا ليغفر لنا ويرفع من درجاتنا أيضا، لذا لا تتدخلوا فيما لا علم لكم به ولا تؤذوا الناس بألسنتكم إن كنتم لا تنوون مساعدتهم.

وفي الختام، الحمد لله على كل شي، نحن راضون بقضاء الله وقدره فهذا ركن من أركان الإيمان، هدانا الله لكل ما فيه صلاح لآخرتنا ودنيانا. ولا أنسى الدعاء أيضا لإخواننا المنكوبين في ليبيا جراء الفيضانات التي حلت بهم، حماهم الله من كل شر ورزقهم من حيث لا يحتسبون، رحم الله الموتى وأدخلهم فسيح جنانه وألهم ذويهم الصبر والسلوان وحفظ الله الأحياء المفقودين من كل سوء وأعادهم لأهاليهم سالمين ولا ننسى أن “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. والحمد لله على كل حال.

1xbet casino siteleri bahis siteleri