ضوء خافت.. الهامش المنسي

خطرت لذهني فكرة ثقلها شديد نوعا ما؛ فكرة الوحدة والموت.. أفكر في أشخاص لفظوا آخر أنفاسهم وحيدين للغاية، دون أن يمسك أحدهم يدهم أو يهمس لهم كلمات طيبة، أو يذرف دموع الحزن والحب في آخر لحظاتهم.. أتساءل هل كانوا ليشعرون بنفس الخوف والألم لو كانوا أقل وحدة، لو لم يعيشوا حياتهم مختبئين، مظلومين، حيارى ومنهكين.

أود ان أسلط ضوءا، حتى ولو كان خافتا، على أولئك الذين تقطعت سبلهم وآووا إلى الشوارع الموحشة.. المتشردون، المدمنون، المرضى عقليا، المساكين، وغيرهم.. أستصعب كتابة هذا حقا.. نظرة المجتمع لهؤلاء الأشخاص فظيعة حقا، نظرة خوف وازدراء.. نظرة احتقار وتعالي وشفقة… أفقدهم المجتمع كل حقوقهم الإنسانية وأخرجهم إلى الهامش، ليعيشوا وحيدين مثقلين بذنوب لم يقترفوها.. بل ارتكبها المجتمع في حق طفولتهم، أو ارتكبها والديهم، أو أحد المعلمين، أو المربين في دور الأيتام، أو أحد العابرين.. جراح وعقد وندوب جاءت من رحم كلمات الإساءة والاستصغار، من سوء المعاملة والتعنيف… فتكبر مع الطفل بل وتتضاعف بداخله حتى تصبح وحشا يلقي بهم إلى الهاوية.. تتكون لديه، دون حتى أن يدرك، هواجس ودوافع تغذي الوحش بداخله.

مقالات مرتبطة

نحن لا نرى جوهر هؤلاء الأشخاص، لا نرى إنسانيتهم، لا نرى ضعفهم وتقطعم وتخبطهم وهم يقاومون الوحش بداخلهم، نحن نرى الوحش فقط، فننبذهم، لا نعالجهم ولا نهتم لكونهم إنسانا نمى بشكل غير سليم.. لا ذنب له سوى أنه ولد في مستنقع خلقه فساد الدولة وانعدام المحسوبية، ذنبهم أنهم ضحايا الرشاوي التي تؤخذ مقابل عبور كميات مهولة من المخدرات.

أشعر بالأسى والحسرة، لذا أود أن أعتذر لهم بصدق، باسم كل الفاسدين الذين لا يعيرون هؤلاء المتألمين أي اهتمام، أقدم اعتذاري لكم. أعلم جيدا أن هؤلاء المنسيون في الشوارع يرجون الخلاص؛ وكأن أقدامهم زلت في متاهة لا مفر منها، مساراتهم في الحياة دائرة تقودهم إلى نفس المتاهة، يدركون أن سلوكهم لا يؤدي إلى المخرج لكن لا حيلة لهم، لا حياة لهم، يكررون نفس السلوك كما لو أنهم لا يعرفون أي طريقة أخرى للعيش، نسوا طريق النجاة.. لو ينير أحدهم شمعة لتشبثوا بذلك النور… هكذا أحسبهم، هكذا أتصور داخلهم. وأدرك تماما أن مصيرهم كان يمكن أن يكون مصيري أنا أو مصير أي شخص آخر.

أعتقد أنه لو عدنا إلى البداية وأوقفنا بعض الأخطاء، لما وصل هؤلاء الضحايا إلى نقطة الضياع، لا أقول ولا أدعي أن هناك سببا واحدا، تعددت الأسباب والنتائج واحدة. ها هم وحيدون في الطرقات، لا ملبس ولا مأكل ولا مشرب ولا مأوى لهم، تلفح وجوههم حرارة الصيف ويوخز جسدهم برد الشتاء. ويكشف عن هشاشتهم صقيع الوحدة، هكذا يعيشون على أمل النجاة، حياتهم أشد وطأة من الموت، كمن يتشبث بحبل من الشوك منقطع الأوصال، لا هو قادر على النجاة ولا هو قادر على تجاوز الألم.. لطفا بهم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri