الامتنان مشعل الحياة

أعتقد أننا لا نعبر عن الامتنان بشكل كاف وجيد، إننا جاحدون نوعا ما، نكدس النعم وراء ظهورنا ونطلب المزيد ليتراكم مع ما مضى من جحود. لكن السعادة تتطلب الامتنان والتقدير؛ أن تشكر الله سبحانه إذا تنفست دون صعوبة، إذا وجدت ما تسد به جوعك وظمأك، إذا أشرقت الشمس وغربت وأمطرت أو إذا تدفقت أشعتها لتدفئ الحقول والقلوب.

إذا حل الليل ووجدت متسعا دافئا فخلدت إليه وتقلبت فيه أنت وذكرياتك ومسراتك وأحزانك، إذا وجدت في قلبك رحمة لمن يتوسد الأرض الباردة ليلا ولا يجد مكانا يسعه ويسع يأسه وحزنه وشجاعته وقوته وما يثقله من بقايا مشقة الأيام، إذا خطوت للأمام ولم تتهاوَ، وإذا دخلت المنزل في آخر النهار فوجدت الجدران كما تركتها، تحييك لوحاتها التي لا تفتأ تراك حتى تروي لك بعضا من الذكريات الدافئة التي تعيد إليك الحياة. ترتشف منها بعضا من الود والحنين وتغمرك السعادة، وتشتم رائحة يفوح منها عطر سنين قضيتها مع أحبتك في ذلك المكان، إذا صادف يومك كل هذه الأشياء فاحمد الله جل في علاه وكن ممتنا لنفسك على تلك اللحظات.

إن الأيام التي نقضيها في النحيب على ما مضى تحرمنا من الأيام التي ستأتي، إنها تشبه مفهوم “القوة النابذة في المنعرجات”؛ إنها كائنة في حياتنا بشكل بديهي، كلما تسرعنا في المنعطفات تسلبنا من الحياة وتلقي بنا خارج المضمار، وما المنعطفات إلا تلك القرارات العبثية التي نتخذها سريعا لنمضي بعيدا عن حالة مربكة لنهرب بعد ذلك إلى منطقة الأمان، قرارات تجسد مدى تطبيعنا مع الفشل ومع الاستهلاك دون إنتاج.

علمونا، بل لقنوا لنا أنه من الخطأ يتعلم الإنسان، ولم يخبرونا أنه من الأصح ألا نرتكب الأخطاء، من الأصح أن نأخذ أمور حياتنا على محمل الجد، وأن الخطأ إذا تكرر يصبح لهوا وذلا وتخبطا في نفس المستنقع العكر. الخطأ ليس فضيلة تمجد. من المهين أن يصبح الواقع مليئا بالأوهام، وببائعي الأوهام، من يجلبون للمنصة أولئك المخطئين المتخبطين في الفشل ويصنعون منهم أبطالا وقصصا للاقتداء، يصنعون معايير جديدة هشة وقوالب جاهزة للاستهلاك السريع، نلتقط كل تلك التفاهة ونتقبلها بل وننبهر بها انبهارا يطغى على ملكة التفكير القويم، ونمضي في الحياة بحثا عن تحقيق تلك المعايير الخادعة، نغذي كل شيء داخلنا إلا الروح، نتركها تقاوم الظمأ حتى تتلاشى فيتهاوى ذلك التوازن المثالي الذي جبلنا عليه.

قبل أن نؤسس حياتنا على معايير صنعها الآخرون، يجب أن نتساءل ما هي أهدافهم، هل تتوافق مع ما نطمح إليه، فلكل بناية أساس معين ومدروس يعتمد على كثير من المعطيات والمتغيرات. نسخ الأفكار وتقليد أساليب عيش الآخرين لا يدل إلا على الضعف والجحود، لا نكتفي بما لدينا ولا نثق بقدراتنا فنتبع خطى الآخرين، فطوبى لمن يصنعون طريقهم بأنفسهم، اختاروا أن يضيئوا دروبهم بمشاعلهم الخاصة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri