تجديد النضال الفلسطيني

يحتفل العرب عامة بانتصاراتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي. ففي أكتوبر من كل عام يحتفل المصريون والسوريون بانتصارات أكتوبر المجيدة وفي ٢١ من أذار يحتفل الأردنيون بمعركة الكرامة الخالدة، هذه الاحتفالات هي إشارة واضحة من هذه الدول أن الاحتلال الإسرائيلي وإن وجدت اتفاقيات سلام معه لا يزال الجانب الذي يتربص بالعرب، والمناوشات الحدودية بين دول الجوار والاحتلال الإسرائيلي تحدث بين الفينة والأخرى.

لكن في السنوات العشر الأخيرة شُغلت الدول العربية والإسلامية معها بصراعاتها الداخلية وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وكادت فلسطين وقضيتها تختفي من الساحة السياسية والوطنية في هذه الدول للحد الذي كانت وفي فترات سابقة تتصدر أخبار فلسطين عناوين النشرات الإخبارية في القنوات العربية الرسمية أو الخاصة وتراجع ذلك في فترة ما.

الأحداث المتفرقة زمنياً التي كانت تصلنا من الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ من تهجير وتهويد للمدينة المقدسة إلى الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك والمرابطين فيه إلى العمليات الفردية في الضفة الغربية، وسلسلة الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت تجدد الوجود الفلسطيني في الإعلام العربي والغربي وتعيد القضية الفلسطينية للواجهة ما يجعلها في صدارة القضايا العالمية التي تشغل الرأي العام العالمي. وعلى سبيل المثال لا الحصر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام ٢٠٢١م التي كان سببها استباحة المسجد الأقصى المبارك حيث كانت الأخبار القادمة من فلسطين هي الرقم واحد في العالم العربي.

في السابع من أكتوبر من هذا العام تمكنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية- حماس، إلى جانبها الفصائل العسكرية المساندة لها من الدخول إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من محيط قطاع غزة عبر البر والبحر والجو، والاشتباك المباشر مع قوات الاحتلال المتمركزة في تلك النقاط، ولغايات صفقة لتبادل الأسرى قامت المقاومة باحتجاز عدد من الأسرى، وعُرفت هذه المعركة بمعركة طوفان الأقصى.

من الجانب الإسرائيلي ردت القوات الإسرائيلية بقصف القطاع بشكل غير مبرر وعشوائي وتعتبر هذه الحرب هي الأشرس على قطاع غزة المحاصر حيث دخلت الحرب في يومها ٣٦ ولا تزال الحرب جارية حتى اللحظة.

هذه المعركة أعادت القضية الفلسطينية لصدارة القضايا التحررية العالمية، كما أكدت المقاومة أنها مستمرة بمواجهة قوى الاحتلال وجددت النضال الفلسطيني وأعادت للذاكرة العربية كل أشكال المقاومة للمحتل، وخاصة المقاومة المسلحة والتصدي للاحتلال ورسخت في الأذهان أن الاحتلال الإسرائيلي هو مَن نفذ كل المجازر داخل الأرض الفلسطينية من عام ١٩٤٨.م وحتى هذه اللحظة.

توّلد في مخيلة البعض أن النضال الوطني الفلسطيني الموحد قد تلاشى، ومقاومة المحتل باتت مقاومة فردية غير منسقة بين الفصائل الفلسطينية، حيث تقبع غزة تحت حصار مُطبق وهي معزولة عن العالم الخارجي بشكل تام.

والضفة الغربية تشهد سطوة كبيرة للجيش الإسرائيلي ما يُصعب وجود مقاومة منظمة ضد الاحتلال، ويضاف إلى هذا كله أنه وفي السنوات الأخيرة التي زادت فيها وتيرة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والتعامل مع وجوده كأنه طبيعي، حيث اتخذ التطبيع أشكالا متعددة ما جعله يتجاوز عن كونه مجرد اتفاقيات سلام إلى التعاون الإعلامي والثقافي والشراكة الاقتصادية مع الاحتلال، كانت كلها علامات تنبئ بخطر واضح حول تصفية القضية الفلسطينية سياسياً وإعلاميا واغتيالها في ذاكرة الأجيال القادمة.

معركة طوفان الأقصى وجد ليؤكد للجميع على أنه لا يمكن تصفية القضية الفلسطينية دون حل كامل وجذري للقضية، وأن الشعب الفلسطيني على امتداد الجغرافيا الفلسطينية يتحمل كل يوم أبشع الجرائم ضد الإنسانية ولا يطيق ذلك، وأن المقاومة الفلسطينية حاضرة وباقية وراسخة وملتزمة بواجباتها تجاه أرضها ومقدساتها وشعبها والنضال مستمر ومتجدد.

1xbet casino siteleri bahis siteleri