اليهود واليهودية والإرهاب
يُعد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان أول من استخدم مفهوم “الإرهاب” في سياساته الخارجية في الثمانينات، حيث كان يطلقه ليصف به أعمال الدول المعادية لأمريكا، وخاصة الشيوعية منها مثل كوريا الشمالية، وأخذ بعد ذلك هذا المفهوم في التبلور والتشكل، والعجيب في هذا المصطلح الجديد حينها، ورغم كل المحاولات السابقة لإعطاء تعريف له إلا أنه ما يزال، وليومنا هذا، مفهوم ضبابي وغير معرف. فقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية عبر السياسيين والخبراء وحتى الصحافة أن يجعلوا هذا المفهوم واسعا وضبابيا في نفس الوقت حتى يختاروا هم من يوصف به ومن يُعفى منه. وكان ريغان يستخدم بالضبط مفهوم “الإرهاب الدولي” أي بمعنى الإرهاب الممول من بعض الدول بعينها كإيران، ليبيا، كوريا الشمالية، والعدو التاريخي الاتحاد السوفياتي.
بقي مفهوم الإرهاب إذن بدون تعريف، وحتى إذا أعطي له تعريف ضمني، فهو لا يستوفي شروط التعريف التي أعطاها علم المنطق للتعريف، وهي أن يكون أولاً معبراً عن ماهية الشيء، وثانيا أن يدل عليه وحده ولا شيء غيره، وهذا لا ينطبق على مفهوم الإرهاب. ثالثا أن لا يُعرّف المعَرف بمعرِف يساويه في المعرفة والجهالة، وأخيرا أن لا تُستخدم في التعريف ألفاظ غريبة أو مجازية أو ملتبسة المعنى، في حين نجد أن مفهوم “الإرهاب” مفهوم ملتبس وغير محدد.
في ظل كل هذا، تأتي أحداث 11 سبتمبر لتعطي بُعدا آخر لهذا المفهوم حيث أصبح يطلق على أي أعمال عنيفة ذات توجه ديني أو على أساس ديني. فيصبح يشير إلى أعمال العنف التي يقوم بها مجموعة من الأشخاص لأهداف دينية، عرقية، أو إثنية. وفي هذا الصدد لاحظت بيفرلي غيج، خاصة عندما تعلق الأمر بالعقد الأخير من الحرب الباردة، أن عددا من الأسئلة المهمة تبقى دون إجابة، مثل: “كيف قامت الحكومة الأميركية بتحديد المجموعات التي قد يتم تصنيفها كمنظمات إرهابية؟” ، “كيف حاولت أميركا تجنب تطبيق مثل هذه الصفات على عملائها الذين يخوضون حروبها بالوكالة؟”
لنعد لأحداث 11 سبتمبر، فبعد هذه الأحداث سيصبح هذا المفهوم لصيقا بالمسلمين، ويصبح أي فعل إجرامي يقوم به أي شخص يُشم فيه رائحة الإسلام يصنف الفعل على أنه “إرهاب” حتى دون الوقوف على الدوافع، ومع أن المسلمين عبر العالم ظلوا يتبرأون صراحة من كل الأفعال الإجرامية التي قد تقع هنا وهناك إلا أن المفهوم الجديد ظل لصيقا بهم.
في المقابل نجد في الكيان الصهيوني ينطبق عليه كلا المفهومين الضمنيين اللذين أُعطيا “للإرهاب” ، سواء المفهوم الأول الذي أطلقه ريغان على “الإرهاب المدعوم من دولة” والذي أشار إليه ضمنيا وليس تصريحا على أنه “شكل من أشكال العنف السياسي والعسكري التي تقوم به بعض الجهات” أو مفهوم “الإرهاب” الذي يُطلق على الجماعات “الدينية”. فنجد أن رئيس الكيان الصهيوني تحدث صراحة على نبوءة إشعيا وقد حان الوقت لتحقيق هذه النبوءة، فها هو دافع ديني يحرك الكيان الصهيوني ومع ذلك لا أحد اتهم اليهود أو اليهودية بالإرهاب.
بل أزيدكم من البيت شعرا إن القتل الممنهج لكل شيء في غزة من طرف الكيان المحتل، والإبادة الجماعية ما هو إلا تطبيق لنص توراتي يقول بصريح العبارة: “لا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة طفلا رضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا” هذا النص الذي جعل المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري يتحدث في موسوعته “اليهود واليهودية والصهيونية” عن “الجريمة اليهودية”، ويعرفها بكونها: (مصطلح يفترض وجود جرائم ذات خصوصية يهودية، أي جرائم مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية وتتبع نمطا بعينه وتأخذ أشكالا بعينها. ومن ثم، فإن يهودية اليهودي هي النموذج الذي يمكن من خلاله تفسير وتصنيف السلوك الإجرامي لبعض أعضاء الجماعات اليهودية)، ومع ذلك لم نسمع أحدا من علمانيي الغرب أو العرب يصف اليهود “بالإرهاب” رغم أن الارتباط واضح وضوح الشمس بين القتل المتعمد والإبادة الجماعية وبين الدافع الديني لهذا القتل. بل على النقيض من ذلك فكل العالم اتهم المقتول بالإرهاب وأعطى للقاتل حق الدفاع عن النفس في مسرحية هزلية سيذكرها التاريخ وتضحك عليها الأجيال القادمة. وهنا نعود لإشكالية عدم تحديد مفهوم واحد واضح لمصطلح الإرهاب وبالتالي يتم استخدامه بدوافع شخصية، فكل من هو ضد الولايات المتحدة “إرهابي” وكل من هو معها ليس كذلك وإن قام صراحة بكل ما هو إرهابي وأكثر، فإذا لم تكن الإبادة الجماعية، والقتل والتنكيل إرهابا فماذا يكون؟
ولا أريد أن يُفهم من مقالي هذا أني متعصب ضد اليهودية، أو أتهمه كدين فقط لأنه مخالف لي، كلا بل إن غرضي، من جهة، أن أضع إصبعي على نفاق العالم الغربي ومعه العالمانيين العرب، هذا النفاق الذي لم يعد يُطاق ويُحتمل ويجب علينا فضحه في كل مكان وزمان وعبر كل الوسائل المتاحة -كهذا المقال مثلا- ، ومن جهة أخرى، أريد أن أقول إن الصهيونية هي الإرهاب بعينه، وأن الصهيوني هو الإرهابي، ولهذا تفهم لماذا غيرت في عنوان الموسوعة الشهيرة للمفكري العربي عبد الوهاب المسيري ولماذا بدلت كلمة الصهونية “بالإرهاب” وأظن أن حرب غزة ستكون أيضا عامل فارق في تحديد وإعطاء مفهوم جديد لهذا المصطلح. وأظن أنه أصبح واجب علينا أن نستخدم هذا المصطلح بدورنا على نطاق واسع ضد من يقتلنا ويقتل إخوتنا في غزة وضد من يشجعهم على ذلك، كما استخدم ضدنا على نطاق واسع، وألا نفرق فكل صهيوني هو بالضرورة إرهابي.